الإمبراطورية البيزنطية في الأردن

الإمبراطورية البيزنطية في الأردن هي جزء من تاريخ الأردن القديم الذي يشمل فترة مهمة من الحكم البيزنطي في المنطقة
حيث استمر هذا الحكم من القرن الرابع حتى القرن السابع الميلادي، كانت الإمبراطورية البيزنطية وريثة للإمبراطورية
الرومانية الشرقية بعد انقسامها عام ٣٩٥م، وسيطرت على مناطق واسعة من الشرق الأوسط بما فيها الأردن

 الدور التاريخي للأردن في الإمبراطورية البيزنطية

في فترة الحكم البيزنطي، كان الأردن منطقة استراتيجية تربط بين البحر الأبيض المتوسط والصحراء العربية، مما جعله نقطة حيوية للتجارة والاتصالات، كانت العديد من المدن الأردنية مثل جرش، مادبا، وأم قيس مزدهرة وتعتبر مراكز حضرية وتجارية مهمة في تلك الفترة وكما هو الحال في العهد الروماني، تطورت أهم محاور الطرق حسب اتجاه الجنوب بخط موازي لنهر الأردن ووادي عربة، وتجسدت بطريق تراجان الجديد الذي أُنشئ بين بصرى وايلة، ومن الناحية الإقتصادية ظلت المنطقة معتمدة على زراعة تقليدية على
جني العنب والزيتون، والتي تشهد عليها العديد من المعاصر

العمارة والفن البيزنطي في الأردن

الأردن يحتوي على عدد كبير من الآثار البيزنطية التي تدل على الحضارة التي سادت في تلك الحقبة، و من أبرز هذه الآثار كانت الكنائس البيزنطية التي كانت من أهم معالم العمارة البيزنطية في الأردن

مدينة مادبا، على سبيل المثال، مشهورة بكنائسها وفسيفسائها البيزنطية الرائعة، مثل خريطة مادبا الشهيرة التي تصور الأراضي المقدسة التي تعود إلى القرن السادس الميلادي

مدينة جرش واحدة واحدة من أبرز المواقع الأثرية الرومانية-البيزنطية في العالم، ازدهرت جرش في العصر البيزنطي، حيث تم بناء العديد من الكنائس والمعابد فيها، كانت جرش إحدى أهم مدن المقاطعات الرومانية وقد زارها الإمبراطور هدريان

وبعد انتهاء حكم الأنباط قام الرومان بإعادة إنشاء طريق تراجان الجديد، وتم بناء الحصون وأبراج المراقبة على طول الطريق، بينما جرى بناء الشوارع و الاعمدة والمسارح في عمان وجرش وأم قيس، ولقد فرض الرومان اللغة اللاتينية على يد السكان المحليين

تزايدت الكنائس في المدن الرئيسة وازدهرت العصور الهلّينية والرومانية بإنشاء العديد من المباني الكنائسية والجنائزية التي تضاف إلى الكاتدرائيات وشهد آخر قرون العهد الروماني تطور بلدات أسواق ريفية كبيرة (مثل رحاب) من البلدات الرومانية القديمة المحصنة (الخربة السمراء)، وانتشرت المسيحية سريعاً في القرى والبادية، حيث أقيمت الأديرة ومزارات أو مقامات يحج إليها الناس

وصل عدد الكنائس إلى ذروته في نهاية القرن السادس من ٢٠٠م كنيسة تعود لهذه الفترة

لم يسبب وصول جيوش المسلمين سنة ٦٣٦ م والتأسيس التدريجي للإدارة الجديدة انفصالا مفاجئاً أوعنيفاً عن المرحلة السابقة، إذ استمرّ بناء الكنائس ملموساً، وبقي عدد منها مصاناً وبحالة جيدة لفترة طويلة، وأنشئت فيها أحيانا أرضيات فسيفسائية جديدة ثم بدأ هجرها على نحو تدريجي منذ العصر الأموي وحتى القرن التاسع

كنيسة القديس أسطفان (أم الرصاص)

كنيسة القديس أسطفان (اسطيفانيوس أو استيفان) كنيسة أثرية، تقع بالمدينة القديمة في أم الرصاص الأردن, تُعد هذه الكنيسة من أهم الكنائس الأثرية في الأردن، لما تحتويه من آثار قيّمة, تتميز هذه الكنيسة بأرضية ضخمة مرصوفة بالفسيفساء لا تزال محفوظة, تصور هذه الفسيفساء – التي تزيد مساحتها عن ٥٠٠ متر مربع – رسوماً لعدد من المدن البارزة التابعة للأرض المقدسة من جهتي نهر الأردن الشرقية والغربية، حيث تم وصف ٨ مدن في فلسطين و ٩ مدن في الأردن، بالإضافة إلى ١٠ مدن في دلتا النيل

هذه التحفة المعمارية هي الثانية من نوعها بعد خارطة فسيفساء مادبا الشهيرة عالمياً التي تصور القدس والأراضي المقدسة

الصورة على اليمين: فسيفساء تصور صيادًا من كنيسة القديس اسطفانوس - أم رصاص
الصورة في المنتصف: فسيفساء القديس اسطفانوس - أم الرصاص
الصورة على اليسار: جانب من الكنيسة الأثرية داخل المجمع الكنسي - أم الرصاص

الكنيسة البيزنطية (البتراء)

تعتبر الكنيسة البيزنطية (البتراء) في البتراء مثالاً رائعًا على الهندسة المعمارية الأثرية البيزنطية, تقع على أرض مرتفعة في وسط المدينة، شمال شارع ما يسمى كولونيديد. تعتبر الكنيسة البيزنطية نقطة اكتشاف تضم ١٥٠ من البردي الذي زود العلماء بمعلومات قيمة عن الحياة في كل من البيزنطية وفي المناطق الريفية المحيطة بها, تتميز الكنيسة البيزنطية أيضًا بأن أرضياتها مزينة بديكور من الفسيفساء الفخم والمحفوظ جيدًا

عثر على الفسيفساء أيضًا على بعض أجزاء جدران الكنيسة، تم تزيين أرضيات في حين تم تزيين الممرين الجانبيين الصغيرين بالفسيفساء التصويرية الملونة. هذه هي واحدة من أكثر ملامح الكنيسة شهرة تصور الفسيفساء بالفصول والحيوانات والأشخاص والفخار والنباتات ويشارك أيضًا أوجه التشابه مع الأيقونات الهلنستية والرومانية

الصورة على اليمين: الكنيسة البيزنطية في البتراء
الصورة على اليسار: الفسيفساء في الكنيسة البيزنطية في البتراء

الكنيسة البيزنطية (جبل القلعة)

الكنيسة البيزنطية في جبل القلعة إحدى الكنائس الأثرية البيزنطية في عمّان، تقع داخل أسوار قلعة المدينة، التي تحوي أيضّا آثارًا من حضارات أخرى تعاقبت على المدينة منذ الآف السنين, تم تشييدها في القرن السادس للميلاد وتحديدًا في عام ٥٥٠ م في منطقة مجاورة لمعبد هرقل

تتبع هذه الكنيسة التي تعود في تاريخها إلى القرن السادس الميلادي مخطط البازيليكا الذي يتألف من صحن وجناحين، وفي نهاية الصحن من الناحية الشرقية توجد حُنية المذبح التي كان يتقدمها حاجز الهيكل، أما رواق الأكنثس التي تزين التيجان الكورنثية فقد تم نقلها من معبد هرقل واُعيد استعمالها في بناء الكنيسة، كما تم رصف الجناحين ببلاط حجري،  ينتهي كل جناح بغرفة مستطيلة قد اُضيفت في العصر الأموي بعد قرن من الزمن، أما الصحن فقد رُصف بمكعبات فسيفسائية ملونة، وهو ما كان شائعًا في العهد البيزنطي، وهي الآن مغطاة للحماية

يظهر قرب حًنية المذبح بقايا كتابة إغريقية أمكن قرأتها كالتالي: «… رُصفت بالفسيفساء بحماسة وعمل…»، توجد داخل الكنيسة عدة صهاريج لتخزين مياه الأمطار، وقد استمر استعمالها في العصر الأموي

الكنيسة البيزنطية في قلعة عمان

بشكل عام, اتّبعت الهندسة المعمارية للكنائس البيزنطية أساساً الطراز الباسليكي، تتقدّمها أحيانا أروقة معمدة تنتهي بمحراب بين قاعتين صغيرتين، تُخصص إحداهما كموهف (غرفة ملابس الكهنة والمقدسات) وتحتوي العديد من الكنائس على أرضيات فسيفسائية بزخرفة فخمة مؤرخة تعطي معلومات قيمة عن تواريخ إنشائها

خريطة مادبا الفسيفسائية

هي جزء من أرضية فسيفسائية ضمن كنيسة بيزنطيّة قديمة في مدينة مادبا في الأردن، تصف الخريطة منطقة شرق المتوسط في العصر البيزنطي وهي أقدم خريطة أصليّة للأراضي المقدسة، والتي يعود إنشاؤها إلى سنة ٥٦٠، توجد اليوم داخل كنيسة القديس جوارجيوس والتي بُنيت في عام ١٨٩٦ فوق بقايا الكنيسة البيزنطيّة

تمتد خريطة مادبا على جزء من أرضية الكنيسة، وتشكّل مدينة القدس مركزًا لها، كما تظهر فيها عدة مواقع في الأردن وفلسطين وسوريا ولبنان ومصر. وقد قام برسم الفسيفساء مجموعة كبيرة من الفنانين غير المعروفين من المجتمع المسيحي في مادبا

تعتبر خارطة الفسيفساء في مادبا أقدم فسيفساء أرضية معروفة في تاريخ الفن البصري، وتُستخدم الخارطة للتحقق من مواقع أثرية متنوعة ذُكرت في الكتاب المقدس. لعبت دراسة الخارطة دورًا هامًا في تحديد الموقع الطبوغرافي الدقيق لمدينة عسقلان. وفي عام ١٩٦٧، كشفت الحفريات في الحي اليهودي في القدس عن كنيسة نيا والكاردو في المواقع الدقيقة التي اقترحتها الخارطة

في شهر فبراير من عام ٢٠١٠، كشفت بعض الحفريات عن دقة الخريطة واكتشفت الطريق المرسوم في الخريطة الذي يمتد عبر مركز مدينة القدس. وفقًا للخريطة، كان المدخل الرئيسي للمدينة عبارة عن بوابة كبيرة تفتح على شارع مركزي واسع. و في اكتشاف تم العثور على أحجار كبيرة على عمق ٤ أمتار تحت الأرض، مما يؤكد وجود هذا الطريق

الصورة في السطر العلوي على اليمين: جزء من خارطة مادبا الفسيفسائية ويظهر فيها البحر الميت بالأعلى
الصورة في السطر العلوي في المنتصف: جزء من خريطة مادبا الفسيفسائية, ويظهر فيها مدينتي القدس وبيت لحم
الصورة في السطر العلوي على اليسار:صورة لخريطة مادبا

الصورة في السطر الأوسط على اليمين: الأرضية الفسيفسائية البيزنطية
الصورة في السطر الأوسط في المنتصف: القدس على الخريطة
الصورة في السطر الأوسط على اليسار: الخريطة داخل الكنيسة

الصورة في السطر السفلي: نهر الأردن على الخريطة

كنيسة جبل نيبو (كنيسة صياغة)

كنيسة جبل نيبو البيزنطية هي كنيسة قديمة تقع على قمة جبل نيبو في محافظة مادبا تعود الكنيسة للفترة البيزنطية في القرن الرابع الميلادي، يشار إلى أن جبل نيبو يحمل أهمية دينية كبيرة لارتباطه بقصة النبي موسى عليه السلام

الصورة في السطر العلوي على اليمين: كنيسة جبل نيبو
الصورة في السطر العلوي في المنتصف: فسيفساء - كنيسة جبل نيبو
الصورة في السطر العلوي على اليسار: كنيسة جبل نيبو (كنيسة صياغة)

الصورة في السطر الأوسط على اليمين: فسيفساء - كنيسة جبل نيبو
الصورة في السطر الأوسط في المنتصف: معمودية على شكل صليب
الصورة في السطر الأوسط على اليسار: فسيفساء - كنيسة جبل نيبو

الصورة في السطر السفلي: فسيفساء - كنيسة جبل نيبو

جبل نيبو

وهو جبل عالٍ يطل على البحر الميت ووادي نهر الأردن وأريحا وتلال القدس البعيدة، وهو الموقع الذي رأى فيه موسى أراضي كنعان المقدسة التي لم يدخلها قطّ

مات نبي موسى ودفن في موآب كما ذُكر في الكتاب المقدس: {وَدَفَنَهُ فِي الْجِوَاءِ فِي أَرْضِ مُوآبَ، مُقَابِلَ بَيْتِ فَغُورَ} (تثنية 34:6)

أصبح جبل نيبو مقصداً للحجّ للمسيحيين الأوائل القادمين من القدس، وقد تم بناء كنيسة صغيرة هناك في القرن الرابع الميلادي تخليداً لحياة موسى. لا تزال بعض الحجارة من تلك الكنيسة في مكانها الأصلي في الجدار المحيط بمحراب الكنيسة. تمّت توسعة الكنيسة في القرنين الخامس والسادس وأصبحت الكنيسة الكبيرة التي نعرفها اليوم، تحتوي الكنيسة على مجموعات مذهلة من اللوحات الفسيفسائية البيزنطية

أمّا الحية النحاسية المنصوبة خارج حرم الكنيسة فترمز للحية النحاسية التي رفعها موسى في الصحراء والصليب الذي صُلِب عليه يسوع

الصورة على اليمين: الحية النحاسية المنصوبة - جبل نيبو
الصورة في المنتصف: مقام النبي موسى- جبل نيبو
الصورة على اليسار: جبل نيبو - مادبا

الدين في الأردن خلال الحكم البيزنطي

كانت الإمبراطورية البيزنطية مسيحية، وكانت الأردن جزءًا من هذه الإمبراطورية، ما جعل المسيحية الدين السائد في المنطقة، و العديد من الأديرة والكنائس في الأردن تعود إلى هذه الفترة، وتمتاز بالفسيفساء البيزنطية التي تظهر رموزًا دينية وتاريخية

 نهاية الحكم البيزنطي في الأردن

انتهى الحكم البيزنطي في الأردن بعد الفتح الإسلامي للمنطقة في منتصف القرن السابع الميلادي, حيث كانت معركة اليرموك عام ٦٣٦م الحدث الفاصل، حيث هزم المسلمون الجيش البيزنطي، ما أدى إلى إنهاء السيطرة البيزنطية على الأردن وأغلب مناطق بلاد الشام

تركت الإمبراطورية البيزنطية تأثيرًا كبيرًا على الأردن من خلال الآثار المعمارية والفنية التي ما زالت قائمة حتى اليوم، تعتبر الفترة البيزنطية جزءًا هامًا من التاريخ الأردني الذي يجسد التداخل بين الثقافات والحضارات المختلفة في هذه المنطقة

مراجع

Byzantine Empire by John Julius Norwich, March 18, 1989
Byzantine Jordan by historian Barbara A. Porter
Visitjordan, الحكم البيزنطي
Openedition, The Byzantine Age Anne Michel p. 162-164
Wikipedia, Madaba Map
Wikipedia, الإمبراطورية البيزنطية

Next:
الأردن في الحكم اليوناني