الأردن في الحكم الروماني

تاريخ الرومان في الأردن (٦٣ ق.م – ٣٢٤ م) يُعتبر جزءًا مهمًا من تاريخ المنطقة بشكل عام، حيث كانت الأردن خلال الحقبة الرومانية جزءًا من الإمبراطورية الرومانية التي امتدت إلى مناطق واسعة من الشرق الأوسط. دخل الرومان المنطقة بعد هزيمة الإمبراطورية السلوقية في معركة مغنيسيا عام ١٩٠ ق.م، وأصبحت الأردن تدريجيًا تحت سيطرة الإمبراطورية الرومانية في القرن الأول قبل الميلاد

دخلت الأراضي الأردنية بشكل رسمي تحت سيطرة الإمبراطورية الرومانية في عام ٦٣ ق.م عندما ضم القائد الروماني بومبيوس المناطق الشرقية من البحر الأبيض المتوسط بعد حملاته العسكرية، أصبحت الأردن جزءًا من الولاية الرومانية في سوريا، ولكن المدن الكبرى في الأردن (التي تُعرف باسم الديكابوليس أو المدن العشر) احتفظت بنوع من الحكم الذاتي

الديكابوليس هي تحالف بين عشر مدن تقع معظمها في الأردن وبعضها في فلسطين وسوريا. من أهم هذه المدن الأردنية: جرش (جراسا)، فيلادلفيا (عمان)، بيلا (طبقة فحل – إربد)، وأم قيس (جدارا)، كانت هذه المدن مراكز حضرية مهمة ازدهرت تحت الحكم الروماني بفضل موقعها الاستراتيجي على طرق التجارة الرئيسية بين أوروبا وآسيا المدن الرومانية وأثرها على العمارة والثقافة

كانت المدن الرومانية في الأردن مراكز بارزة للحضارة والثقافة، حيث شهدت ازدهار العمارة الرومانية وتطور البنية التحتية. وتعد مدينة جرش من أبرز المواقع الأثرية الرومانية التي بقيت حتى يومنا هذا، وتضم مجموعة من المعالم المميزة، مثل قوس هدريان، الهيبودروم، المسرح الجنوبي، والشارع الرئيسي المعروف بالكاردو المزين بالأعمدة

أصبحت فيلادلفيا (عمان) مدينة رومانية مزدهرة وتم تطوير العديد من المباني العامة والحمامات والمسارح الرومانية فيها ولا تزال بقايا المسرح الروماني في وسط عمان شاهدة على هذه الحقبة التاريخية

خريطة الديكابوليس

التجارة والاقتصاد

كانت الأردن خلال الفترة الرومانية مركزًا هامًا للتجارة بسبب موقعها الجغرافي المميز على طرق التجارة التي تربط بين الشرق والغرب، فمرت طرق التجارة الرومانية عبر الأردن، مما جعل المنطقة نقطة وصل رئيسية بين الإمبراطورية الرومانية في أوروبا وبين بلاد ما بين النهرين والهند عبر شبه الجزيرة العربية

الدين والثقافة

تأثرت الحياة الثقافية والدينية في الأردن خلال الفترة الرومانية بالثقافة الرومانية واليونانية، كما تم تبني الآلهة الرومانية واليونانية في بعض المدن الأردنية، و انتشرت اللغة اليونانية كلغة ثقافة وفكر إلى جانب اللغة اللاتينية

مدينة جرش 

تقع مدينة جرش (مدينة الألف عمود) في المرتبة الأولى بين مدن الرومان في الأردن وتتميز بسلسلة غير مسبوقة من الاحتلال البشري، يعود تاريخها إلى أكثر من ٦٥٠٠ عام، وتقع جرش على سهل محاط بالمناطق المشجرة والتلال والأراضي الخصبة، وغزاها الجنرال بومبي في عام ٦٣ قبل الميلاد، وكانت واحدة من المدن الرّومانيّة العشر الكبرى (الدّيكابوليس)

عرفت مدينة جرش عبر تاريخ الرومان في الاردن بمدينة جراسا، وهي مثال رائع على التمدن الرّوماني الكبير الرسمي، وتضم شوارع معبدة، ومعبد مرتفعة على قمم التّلال، ومسارح جميلة، وساحات عامة واسعة، وحمامات، ونوافير، وأسوارًا، وتجتمع في جرش ثلاث ثقافات اليونانية والرومانية وتقاليد الشرق العربية

تتوسط مدينة جرش حوضًا تبلغ مساحته حوالي ١٥٠ كيلومترًا مربعًا، و يشطره النهر الذهبي (سيل جرش) الذي يوفر الماء لري المزروعات، كما أن هذا الوادي يشكل محور الاتصالات الرئيسي باتجاه الشمال – الجنوب إلى الغرب من الوادي ترتفع جبال عجلون التي تنبثق منها عيون ماء غزيرة، حيث تنمو المحاصيل الزراعية المتوسطية، وإلى الشرق تمتد البادية التي تستغل مجاري أوديتها في الزراعة البعلية

بفضل موقع جرش الفريد عند تقاطع المحورين: الشرقي – الغربي، والشمالي – الجنوبي، استفادت من أربع بيئات طبيعية: الهضاب الكلسية في الشمال، والتي تم استغلالها كمقالع للحجارة؛ وفي الجنوب، استغلت المنطقة في إنتاج الرمل والصلصال من أجل تصنيع الخزف ومواد البناء كالملاط، و الرمل المستخدم في قطع كتل الحجارة، بينما كانت جبال عجلون في الغرب تؤمّن الأخشاب اللازمة لأعمال البناء والصناعات المحلية

لقد تطور التبادل التجاري مع خارج المنطقة لدعم الإنتاج الزراعي المتواضع في الحوض، مما شجع على التطور الاقتصادي للبلدة. ونظرًا لموقع جرش المتوسط على مفترق الطرق بين البدو الرحّل ومنطقة وادي الأردن، استفادت من وقوعها في قلب شبكة طرق رئيسية. وكانت هذه الصلة ذات فائدة واضحة في تبادل السلع مع المدن العشر في الشمال، وفيلادلفيا في الجنوب

قوس هادريان (جرش)

بُني هذا القوس تكريماً لزيارة الإمبراطور هادريان إلى جراسا عام ١٣٠/١٢٩ ميلادي 

ويعتبر هذا القوس الثلاثي المثير للإعجاب أحد أكبر الأقواس المعروفة في الإمبراطورية الرومانية، وواجهة قوس النصر مزينة بأربعة أعمدة تيجانها من الطراز المركب، ويتميز قوس النصر بهذه التيجان، وقد استخدمت تيجان الطراز المركب فقط في قوس النصر ولم يعثر على هذا النوع من التيجان في مباني أخرى وكان هناك نقش يوناني مدهش يزيّن واجهته الشمالية التي تواجه المدينة (يمكنك مشاهدته الآن على الأرض)، وبعد كتابة النص بفترة قليلة أزيلت الأسماء التي أعطيت للمدينة “المقدسة والملجأ والمستقلة”، وربما نُفذ ذلك بأمر من الإمبراطور

ويعرف القوس محلياً اليوم باسم “باب عمان”، كونه يقع على الطريق المتجه نحو عمان (فيلادلفيا) وقد تم ترميمه لإعطاء انطباع أقرب للعظمة التي كان يمثلها

الصورة في السطر العلوي على اليمين: سبيل الحوريات
الصورة في السطر العلوي في المنتصف: الأعمدة
الصورة في السطر العلوي على اليسار: شارع الأعمدة
الصورة في السطر السفلي: معبد أرتميس الذي يعتبر معبد الالهة الحارسة للمدينة
الصورة على اليمين: ساحة الندوة – جرش
الصورة على اليسار: المدينة الرومانية القديمة – جرش
قوس هادريان – جرش

أم قيس (جدارا)

تعد مدينة أم قيس في إربد ثاني أشهر مدينة تعبر عن تاريخ الرومان في الأردن، تشير الدراسات الأثرية إلى أن أم قيس كانت مأهولة منذ القرن السابع قبل الميلاد. وفي عام ٦٣ قبل الميلاد، حرر الإمبراطور بومبي مدينة جدارا وضمها إلى مدن الديكابوليس. وبعد فترة قصيرة، ازدهرت جدارا بسرعة، وتم إنشاء العديد من المعالم الأثرية فيها على نطاق واسع، وبلغت المدينة ذروة ازدهارها في القرن الثاني الميلادي، حيث انتشرت الشوارع المعبدة الجديدة، والمعابد، والمسارح، والحمامات العامة

الصورة في السطر العلوي على اليمين: شارع الأعمدة – ام قيس
الصورة في السطر العلوي في المنتصف: شارع الأعمدة – ام قيس
الصورة في السطر العلوي على اليسار: المدرج – أم قيس

الصورة في السطر السفلي على اليمين: الكاردو مع المحلات التجارية القديمة، الكنيسة، مسرحين والحمامات مع بعض الفسيفساء

الصورة في السطر السفلي على اليسار: صورة لمعبد مجدل في بيلا في الأردن, تُظهر هذه الصورة المراحل الثلاث الرئيسية لبناء المعبد والتي امتدت من بنائه في العصر البرونزي الأوسط (١٦٥٠ قبل الميلاد) إلى تدميره في العصر الحديدي (٨٥٠ قبل الميلاد)

المدرج الروماني في عمان

أحد أدلة تاريخ الرومان في الاردن والآثار الرومانية في العاصمة عمان، وأشهرها المدرج الروماني وجبل القلعة. أثناء فترة حُكم الرومان في الاردن تمَّ اختيار عمّان كعاصمة لامعة للإمبراطورية الرومانية، كانت تحمل اسم فيلادلفيا، وبُنِيَ فيها المدرّج (المسرح) بين عاميِّ ١٣٨-١٦١ للميلاد، ويعود بناؤه إلى عهد الإمبراطور أنطونينوس بيوس، وصممت هذه التحفة الرائعة في قلب المدينة، وموجّه نحو الشّمال، لإبقاء أشعّة الشّمس بعيدة عن المتفرّجين، إذ يستوعب المدرج الروماني ما يصل إلى ٦٠٠٠ شخص

وكان لدى الرومان سيطرة كبيرة على التسلسل الهرمي الاجتماعي، وكان المتفرجون في المدرج مفصولون بحسب الجنس والجنسية والمكانة الاجتماعية، وقد كان هذا واضحًا في جميع أعمالهم الأثريّة في وقت لاحق

المدرج الروماني - عمان 

 جبل القلعة

لجبل القلعة تاريخ طويل فقد عُثر على أدلة على استيطانها منذ العصر الحجري الحديث وتم تحصين التل خلال العصر البرونزي (حوالي ١٨٠٠ قبل الميلاد), أصبح جبل القلعة عاصمة مملكة عمون في وقت ما بعد عام ١٢٠٠ قبل الميلاد. ثم وقع تحت سيطرة العديد من الإمبراطوريات والممالك مثل الآشورية، البطالمة، والسلوقيين (القرن الثالث قبل الميلاد)، والرومان (القرن الأول قبل الميلاد)، والبيزنطيين (القرن الثالث الميلادي) والأمويين (القرن السابع الميلادي)

بعد الأمويين، جاءت فترة من التدهور و لأغلب الوقت حتى عام ١٨٧٨م حيث أصبحت المدينة السابقة كومة مهجورة من الأنقاض, وعلى الرغم من هذه الفجوة، تعتبر قلعة عمّان من أقدم الأماكن المأهولة بالسكان على مستوى العالم

واليوم، تعود أغلب الهياكل التي لا تزال ظاهرة في الموقع إلى العصور الرومانية والبيزنطية والأموية

الصورة في السطر الأول من الأعلى على اليمين: بوابة ضخمة كانت المدخل الرسمي للمساكن التي تعود إلى العصر الأموي
الصورة في السطر الأول من الأعلى في المنتصف: يد هيرقل جزء من تمثال رخامي ضخم ل هرقل
الصورة في السطر الأول من الأعلى على اليسار: معبد هرقل معبد روماني قديم

الصورة في السطر الثاني من الأعلى على اليمين: مجمع القصر الأموي
الصورة في السطر الثاني من الأعلى في المنتصف: الحمام الأموي- كان التجمع الاجتماعي والتطهير في الحمام جزءًا مهمًا من الحياة الحضرية
الصورة في السطر الثاني من الأعلى على اليسار: المسجد يقع إلى الجنوب من القصر الأموي

الصورة في السطر الثالث من الأعلى على اليمين: شارع الأعمدة كان الشارع ذو الأعمدة يربط قاعة المدخل المقببة بمجمع القصر الداخلي وكان محاطًا بالأعمدة
الصورة في السطر الثالث من الأعلى في المنتصف: برج الأيوبيين (برج مراقبة الحراس) الذي يوفر إطلالة دفاعية ممتازة
الصورة في السطر الثالث من الأعلى على اليسار: البركة الدائرية - تقع هذه البرك في الجهة الشرقية لبوابة القصر الأموي الكبيرة

"الصورة في السطر السفلي: قاعة الاستقبال "الإيوان

الهيبودروم (ميدان الخيل -جرش)

يقع في المنطقة الأثرية بمدينة جرش شمال الأردن إلى جانب قوس هادريان، يتكون من جدارين ومدرجات من ثلاث جهات مرفوعة على أقبية وهو يستعمل لسباق الخيل والعربات ذات الحصانين أو الأربعة

الصورة على اليمين: واجهة الهيبودورم – جرش
الصورة في المنتصف: الهيبودورم – جرش
الصورة  على اليسار: مدخل ميدان الخيل في جرش

نهاية الحكم الروماني

بدأت الإمبراطورية الرومانية تضعف في أواخر القرن الرابع الميلادي، وذلك لأسباب عدة منها اتساع رقعة الإمبراطورية , كثرة الحروب التي أضعفت اقتصادها, تراجع قوتها العسكرية نتيجة انقسامها إلى دولتين: الإمبراطورية الرومانية الشرقية وعاصمتها بيزنطة, الإمبراطورية الرومانية الغربية وعاصمتها روما

وانتهى الحكم الروماني في بلاد الشام على يد الجيوش الإسلامية في معركة اليرموك عام ٦٣٦ م

مراجع

  • Roman Arabia by Glen W. Bowersock
  • The Archaeology of Jordan edited by Burton MacDonald, Russell Adams, and Piotr Bienkowski
  • Jerash: A Frontier City of the Roman East by Achim Lichtenberger
  • تقارير دائرة الآثار العامة الأردنية، التي تشمل نتائج الحفريات والأبحاث الأثرية في المدن الرومانية
  • madainproject, Amman Citadel
  • openedition, الولاية الرومانية العربية
  • wikipedia, المدرج الروماني (عمان)
  • wikipedia, أم قيس (إربد)
  • wikipedia, جرش

Previous:
الأردن في الحكم اليوناني
Next:
الأردن في عهد الخلافة الأموي