العماليق الأردنيين، جزء: ٥ – معنى كلمة الهكسوس

يعد الهكسوس (الشاسو) أحد الشعوب البدوية التي لعبت دورًا بارزًا في التاريخ القديم، حيث امتد نفوذهم من جنوب الأردن وصولًا إلى مصر, وقد أشار المؤرخون إلى ارتباطهم الوثيق بالعمالقة الذين استقروا في الأردن القديم، خاصة في مناطق أدوم. شكلت تلك القبائل قوة مؤثرة خلال عصورها، حيث أثرت في ممالك وحضارات المنطقة بفضل انتشارها الواسع ونفوذها العميق


في كتابه ١١٧٧ ق.م عام انهيار الحضارة، يذكر الباحث إريك كلاين أن غزو الهكسوس (الشاسو) لمصر قد وقع للمرة الأولى حوالي عام١٧٢٠ ق.م، أي قبل نحو ٢٥٠ عاماً من عهد الملك تحتمس الثالث. ظل الهكسوس يحكمون مصر لما يقارب قرنين من الزمان، حتى تم طردهم حوالي عام ١٥٥٠ ق.م. وقد اجتاح الهكسوس البلاد في وقت كانت فيه مصر تُعد واحدة من القوى العظمى في منطقة الشرق الأدنى القديمة، فقد كانت حضارتها مزدهرة وقوية ذات تأثير واسع. كما أن أهرامات الجيزة، التي شُيدت خلال الأسرة الرابعة في عصر المملكة القديمة، كانت حينها قد بلغت من العمر حوالي ألف عام، لتقف شاهداً على عراقة حضارة قدماء المصريين، حتى في وجه القوى الغازية

في القرن الثالث قبل الميلاد، قام الكاهن المصري والمؤرخ مانيتون، الذي عاش خلال الفترة اليونانية في مصر، بتعريف الهكسوس (الشاسو) بأنهم “الملوك الرعاة”. هذه التسمية جاءت من ترجمة غير دقيقة للعبارة المصرية القديمة التي تعني حرفيًا “زعماء البلاد الأجنبية”. ينتمي الهكسوس إلى الأسر المصرية الخامسة عشرة حتى السابعة عشرة، وقد كانوا بالفعل غرباء عن مصر، إذ تشير الأدلة التاريخية إلى أن الهكسوس كانوا من الثموديين الأردنيين الذين ارتحلوا إلى مصر من بلاد الأردن

ويعود وجودهم في مصر إلى القرن التاسع عشر قبل الميلاد، حيث يظهر الثموديون في رسوم ونقوش مصرية قديمة، بما في ذلك لوحة جدارية شهيرة عُثر عليها في إحدى المقابر المصرية بمنطقة بني حسن. توضح هذه اللوحة مشهداً لتجار “آسيويين” يُعتقد أنهم ثموديون يجلبون بضائعهم إلى مصر، ويبدو أن هذه التجارة تعززت بفضل علاقات متبادلة تعود لقرون طويلة بين بلاد الشام ومصر

رسم و نقش مصري قديم لتجار "آسيويين" يُعتقد أنهم ثموديون (الهكسوس) يجلبون بضائعهم إلى مصر

عندما أرسل النبي موسى عليه السلام جواسيسه من برية فاران لاستطلاع أطراف مملكة أدوم الأردنية، واجه الجواسيس مجتمعًا قوياً يتمسك بهويته وأرضه ومملكته. في تلك الفترة، كانت الأرض الأدومية الأردنية عامة، ومدينة قادش برنيع بشكل خاص، تُعد مراكز حصينة محصنة ذات أسوار قوية وشعب صلب الشكيمة. وتشير النصوص إلى أن سكان تلك المناطق، بما في ذلك العمالقة الذين استقروا في منطقة الجنوب الغربي من مملكة أدوم الأردنية، كانوا أصحاب قوة وعزيمة، مستعدين للدفاع عن أراضيهم ضد أي تهديد خارجي

فَأَشَاعُوا مَذَمَةَ الأَرْضِ الَتِي تَجَسَسُوهَا، فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ قَائِلِينَ: الأَرْضُ الَتِي مَرَرْنَا فِيهَا لِنَتَجَسَسَهَا هِيَ أَرْضٌ تَأْكُلُ سُكَانَهَا، وَجَمِيعُ الشَعْبِ الَذِي رَأَيْنَا فِيهَا أُنَاسٌ طِوَالُ الْقَامَةِ (عد 13: 32)

وَقَدْ رَأَيْنَا هُنَاكَ الْجَبَابِرَةَ، بَنِي عَنَاق مِنَ الْجَبَابِرَةِ. فَكُنّا فِي أَعْيُنِنَا كَالْجَرَادِ، وَهكَذَا كُنّا فِي أَعْيُنِهِمْ (عد 13: 33)

ثم قال الجواسيس : وَأَمَا الرِجَالُ الَذِينَ صَعِدُوا مَعَهُ فَقَالُوا: لاَ نَقْدِرْ أَنْ نَصْعَدَ إِلَى الشَعْبِ، لأَنَهُمْ أَشَدُ مِنَا (عد 13: 31), وذلك رغم ما قاله كالب (زوج مريم شقيقة سيدنا وموسى عليه السلام) ويشوع ( فتى موسى) من أنهم قادرون عليها لأن الرب معهم
(عد13: 25-33، 14: 7-9)

 قال تعالى : ( قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَكُمْ غَالِبُونَ ۚ وَعَلَى اللَهِ فَتَوَكَلُوا إِن كُنتُم مُؤْمِنِينَ (23) قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَا لَن نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا ۖ فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُكَ فَقَاتِلَا إِنَا هَاهُنَا قَاعِدُونَ) سورة المائدة

قَالَ فَإِنَهَا مُحَرَمَةٌ عَلَيْهِمْ ۛ أَرْبَعِينَ سَنَةً ۛ يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ ۚ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (26) سورة المائدة

كانت مصر تحكم من قبل ملوك الهكسوس الذين عاصروا النبي يوسف عليه السلام، حيث كانوا يسكنون جزيرة العرب, وقد أسس الهكسوس في فترات تاريخية متعاقبة سلطات وممالك امتدت نفوذها إلى مناطق شاسعة، بما فيها الأردن التاريخي، وشملت سيطرتهم أيضًا اليمن ونجد والبحرين وعمان، فضلاً عن مصر التي غزَوها واستقروا فيها. امتد نفوذهم كذلك ليشمل فلسطين وسوريا والحجاز والعراق، وقد ساهم هذا الانتشار الواسع في تميز الهكسوس كإحدى القوى المؤثرة في تلك العصور القديمة

وقال ابن خلدون في كتابه “إن من العماليق أمة جاسم فمنهم بنو لف وبنو هزان وبنو الأزرق وبنو الأرقم، ومنهم بديل وراحل وظفار، ومنهم الكنعانيون وبرابرة الشام وفراعنة مصر”، والعماليق من ناحية الرواية التوراتية هم شعب من أقدم سكان سورية الجنوبية ( أي انهم اهل الأردن القدماء وسكانه) وكانوا يقيمون في البدء قرب قادش جنوب غربي ادوم الأردنية، ونجد هنا ان المؤرخين يشيرون الى الأردن بعبارة سوريا الجنوبية

كما أن الله سبحانه قد أشار الى العماليق في القرآن الكريم اذ قال في سورة المائدة ” قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبّارِينَ وَإِنّا لَن نّدْخُلَهَا حَتّىٰ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنّا دَاخِلُونَ (22)” سورة المائدة

في ذكر العماليق قال الأستاذ الدكتور محمد بيّومي مهران : ” … وأما أصل الكلمة عماليق أو عمالقة ، فمجهول ، وإن غلب على الظن أنهم نحتوه من اسم قبيلة عربية كانت مواطنها بجهة العقبة أو شماليها ، ويسميهم البابليون ماليق أو مالوق ، فأُضيف إليها أيضا لفظ (عم) أي الشعب أو الأمة ، فقالوا  عم ماليق) و(عم مالوق)، ثم جاءت العرب فقالت : عماليق أو عمالقة ، ثم سرعان ما أطلقت الكلمة على طائفة كبيرة من العرب القدام

ويكاد يتفق الإخباريون على أن العماليق عربٌ صُرحاء ، ومن أقدم العرب زماناً ، ولسانهم هو اللسان العربي المضري الذي نطقت به كل العرب البائدة

استوطن العماليق بلاد الأردن التاريخية، وامتد نفوذهم في المنطقة ليشمل معاقل بارزة، منها مدينة أيلة، التي عُدت مركزاً حيوياً على ساحل البحر الأحمر خلال فترة المملكة الأردنية الأدومية. عند خروج بني إسرائيل من مصر، احتدم الصراع بينهم وبين الأدوميين العماليق، وقد ورد في التوراة ذكر لصدامات نشبت بين الطرفين، حيث يذكر النص التوراتي أن العماليق استغلوا حالة الإرهاق التي أصابت بني إسرائيل خلال رحلتهم الطويلة، فهاجموهم وتمكنوا من أسر العديد من مقاتليهم

في رأي المؤرخ أبي منصور الأزهري الشافعي (٨٩٥ – ٩٨١ م)، كانت “أيلة” قرية عربية تحمل اسمًا يعود إلى أصل لغوي يشير إلى كونها ملاذًا أو مكانًا يعود إليه الناس. وفسر الأزهري التسمية بأنها جمع مؤنث لكلمة “أيل”، والتي تحمل معانٍ متنوعة، منها الشجرة الكبيرة، والنخلة، والغزال، والوعل، وحتى الكبش. غير أن الرأي الأكثر ترجيحًا بين المؤرخين هو أن “أيلة” تعني “واحة نخيل”، وهو تفسير يتماشى مع موقعها الطبيعي في منطقة غنية بأشجار النخيل

يشير د. أحمد عويدي العبادي إلى أن لكلمة “إيلة” معاني متعددة مرتبطة بتاريخ المنطقة ورموزها الثقافية. فإلى جانب المعاني المشار إليها سابقًا، يوضح أن “إيلة” ترمز إلى شجرة البطم الضخمة، التي كانت مقدسة في تلك الحقبة، وأصبحت الكلمة تحمل دلالة رمزية للإلهة الأنثى. كما ترتبط كلمة “إيل” بالإله الذكر، وبهذا الاستخدام أطلق اسم “إيل” على إحدى القرى الأثرية التابعة لعشائر النعيمات من بدو الجنوب في محافظة معان، والتي تقع على الطريق بين معان والبتراء. ومن الجدير بالذكر أن هذا المصطلح يعود في أصوله إلى اللغة الثمودية الأردنية، إذ يعدّ جزءًا من التراث اللغوي للعماليق الأردنيين

وقد ورد ذكر العماليق عدة مرات في أسفار التوراة؛ حيث أُشير إليهم أحيانًا تحت مسمى “العماليق” وأحيانًا أخرى باسم “الجبارين”، مما يعكس مكانتهم وقوتهم في الأدب الديني والتاريخي

(العماليق) الفارق بين اسم الهكسوس والعمالقة

الهكسوس، أو الشاسو، هم جزء من العماليق الذين استقروا في مصر، بينما كانت تسمية “العمالقة” أو “العماليق” تُطلق على بقية شعوب الأمة الثمودية التي سكنت المنطقة الأردنية وأقامت فيها ممالك متحدة. وقد تميزت هذه الممالك بوحدة الدم والثقافة المشتركة، إضافة إلى التقارب في اللغة والحضارة. كما كانت هذه المجتمعات، التي اتسمت بالتناغم الديني، موطناً لعدد من الأنبياء الكرام، أبرزهم النبي صالح عليه السلام، وكذلك النبي شعيب عليه السلام الذي عاش في مدين وبيريا (أصحاب الأيكة)، وأيضاً الأنبياء لوط وأيوب ولقمان عليهم السلام جميعاً

قبل انتقال الهكسوس إلى مصر، كانت مملكتهم العماليقية تقع في منطقة طبقة فحل، في غور الأردن الشمالي وحوض طبريا. وبعد رحيلهم، حلت مكانهم مملكة أبناء عمومتهم من العماليق في شمال الأردن، المعروفة بمملكة باشان الأردنية، والتي أطلقت عليها التوراة أيضاً اسم “العماليق”. أما جنوب الأردن، فقد شهد استيطان الأدوميين الذين استقروا محل الحوريين، ليؤسسوا هناك مملكة أدوم

مراجع

د . احمد عويدي العبادي, الأردنيون الهكسوس
١١٧٧ ق.م عام انهيار الحضارة، الباحث إريك كلاين

Previous:
العماليق الأردنيين، جزء: ٤ – ملوك العماليق
Next:
العماليق الأردنيين، جزء: ٣ – العناقيون (العماليق)