العماليق الأردنيين، جزء: ٧ – الهكسوس / الشاسو الأردنيون
تعد العلاقة بين الأدوميين والهكسوس أحد الأبعاد التاريخية المهمة التي تربط الأردن بمصر القديمة. فقد كان الهكسوس، الذين يُعرفون أيضًا بالشاسو، يشتركون مع الأدوميين في الجذور الثقافية والجغرافية، مما أسهم في تحالفهم المشترك ضد القوى المعادية. هذا التحالف العسكري بين ملوك الأردن والهكسوس لعب دورًا محوريًا في غزو مصر، وقد ترك تأثيرًا عميقًا في مجريات الأحداث في المنطقة من خلال تشكيل الممالك والتحالفات القوية
صف من الأسرى المقيدين من مشهد لأمنحتب الثالث وتيي، مع "شاسو" بدوي في أقصى اليسار
الصورة: نسخة طبق الأصل من نينا دي جاريس ديفيز من مقبرة أنن، متحف متروبوليتان للفنون، نيويورك
كانت للأدوميين علاقة وثيقة مع الشاسو، الذين يُعرفون أيضًا بالهكسوس، حيث كانت جذورهم مشتركة في المناطق الأردنية والعربية والثمودية. يعود تاريخ هذه العلاقة إلى فترة احتلال الهكسوس لمصر، حيث كان ملوك الأردن، بما في ذلك ملوك أدوم، يشكلون جزءًا من التحالف الذي ساعد في دعم الهكسوس في غزوهم لمصر. اعتمد هذا التحالف على استراتيجية دفاعية تهدف إلى الهجوم كأفضل وسيلة للدفاع عن مناطقهم
في إطار هذه الاستراتيجية، اجتمع ملوك الأردن من مختلف مناطق المملكة، من الشمال إلى الجنوب، بما في ذلك البوادي، في منطقة عابل الواقعة جنوب الطفيلة في أراضي أدوم، وبالتحديد في المكان المعروف اليوم بالعين البيضاء. خلال هذا الاجتماع، تم التخطيط لبناء العربات الحربية في وادي العربة، الذي كان في ذلك الوقت يغطيه الغطاء النباتي الكثيف بسبب المناخ الماطر في المنطقة
وتعود تسمية وادي العربة إلى عربة ملك الهكسوس الأردنيين، الذين كانوا ينحدرون من طبقة فحل شمال الأردن. وكان الهكسوس يتألفون من قبائل بدوية أردنية وثمودية عربية، مما يبرز الترابط الثقافي والجغرافي بين هذه المجموعات والشعوب التي سكنت المنطقة في ذلك العصر
الهكسوس: الأصول الأردنية وتوسعهم في مصر القديمة
جاء الهكسوس من البراري الشاسعة عبر وادي الطميلات، الذي كان يُعد البوابة الشرقية لمصر. وفي ضوء ذلك، أطلق المصريون عليهم اسم “الشاسو”، وهو مصطلح يُترجم إلى “الذين جاءوا من الأراضي الشاسعة في الشرق”، مما يشير إلى أصلهم الأردني. قبل دخولهم إلى مصر، كان الهكسوس معروفين بهذا الاسم الذي يُنسب إلى منطقة الأردن. وبالتالي، أصبح لهذه المجموعة اسمين: الاسم الأصلي الذي أطلقه عليهم أهل الأردن “الهكسوس”، والاسم الذي أطلقه عليهم المصريون “الشاسو”، وكل منهما يشير إلى نفس المجموعة البشرية التي عبرت من الشرق إلى مصر
تذكر إحدى الرسائل المصرية القديمة، التي كتبها خطاط مصري في فترة عميقة من التاريخ، أنها وُجّهت إلى إحدى القلاع الحدودية المصرية في وادي الطميلات خلال فترة حكم الفرعون مرنبتاح. وقد أُشير في الرسالة إلى أن قبائل “شاسو من بلاد أدوم” بدأت تتحرك نحو بحيرات الري في المنطقة الشرقية من الأراضي المصرية. تمكّن هؤلاء من اجتياح وسط وشمال مصر، مما أسفر عن اندحار الدولة المصرية آنذاك، التي اضطرت للانسحاب إلى جنوب البلاد، تحديدًا إلى منطقة أسيوط
š3sw الحروف الهيروغليفية لمصطلح "شاسو" والتي ترجمت إلى
استمر الوضع على هذا النحو حتى جاء الملك أحمس الأول، الذي قاد حملة ناجحة لاستعادة الأراضي المصرية من الهكسوس، الذين كانوا قد سيطروا على مصر في تلك الفترة. بعد انتصار أحمس الأول، تم طرد الهكسوس، الذين كانوا في الواقع ينتمون إلى بلاد والأردن، ليعودوا إلى ديارهم هناك. بهذا التحرير، استعادة مصر استقلالها وبدأت مرحلة جديدة من القوة والتوسع في عهد الأسرة الثامنة عشرة
في منطقة فينان ووادي العربة جنوب الأردن، كانت توجد مخيمات أدومية متخصصة في استخراج النحاس، وهي مخيمات استمرت نشاطاتها حتى القرن التاسع قبل الميلاد وما بعده. كان الشاسو، وهم جزء من شعب العماليق الأردنيين، يشكلون عنصرًا مهمًا في هذه المجتمعات، حيث تنوعت حياتهم بين الاستقرار في المدن وتربية المواشي والزراعة، إضافة إلى حياة البدو الرحل
أسس الشاسو مملكة أردنية في شمال الأردن كانت عاصمتها مدينة طبقة فحل. امتدت مملكتهم عبر غور الأردن الشمالي وجانبيه، وهي الأراضي التي عُرفت لاحقًا في العصور المتأخرة باسم “فلسطين”. ومع ذلك، فإن هذه الأراضي كانت جزءًا من الأردن التاريخي، ولا علاقة للكنعانيين بها. كان هؤلاء الأردنيون، الذين ينتمون إلى قومية ثمودية، يتحدثون اللغة العربية، مما يعكس عمق الهوية الثقافية واللغوية الأردنية في تلك الحقبة
من غير الدقيق القول إن الهكسوس كانوا جميعًا من البدو الرحل، فلو كان الأمر كذلك لما تمكنوا من بناء حضارة ذات تأثير طويل الأمد. في الواقع، كان معظمهم من الناس الذين استقروا في المناطق التي احتلوها، وشاركوا في تطور الحياة الحضارية. صحيح أن جزءًا منهم كان من البدو الرحل، إلا أنهم كانوا يميلون إلى التكيف مع البيئة المستقرة، ويظهرون استعدادًا للاندماج في المجتمع المحلي، ما ساعدهم في المساهمة في تطور الحضارة في تلك الفترة
"نصوص الهيروغليفية تعني "أرض الشاسو
أجمع المؤرخون على أن الهكسوس، وهم مجموعة من البدو الرحل الذين كانوا يربون الماشية ويتحدثون اللغة الثمودية، تحركوا من جنوب الأردن نحو مصر واحتلوها. هذا الرأي يتبناه د. أحمد عويدي العبادي، الذي يرى أن الهكسوس، الذين كانوا يتنقلون في المناطق الصحراوية، بدأوا هجراتهم في أواخر العصر البرونزي. ويشير إلى أن هذه الفترة الزمنية، التي تمتد من حوالي ٣٣٠٠ قبل الميلاد حتى ١٢٠٠ قبل الميلاد، شهدت تحولات كبيرة، حيث انتقل الهكسوس من الأردن نحو مصر
وكانت فترة تحرك الهكسوس تشمل العصر البرونزي المتأخر وصولاً إلى العصر الحديدي المبكر، أي ما بين ١٥٠٠ و ١٠٠٠ قبل الميلاد، وهي الفترة التي تعرف بالفترة الانتقالية الثالثة في مصر القديمة. ويعتبر هذا الحدث من أبرز التحولات التاريخية في المنطقة، حيث أدت هجرة الهكسوس إلى تغيير المعادلات السياسية في مصر القديمة، مما ترك بصمة واضحة على تاريخ المنطقة
يذكر تنظيم الهكسوس في الأردن كان يعتمد بشكل رئيسي على العشائر التي اتحدت تحت قيادة زعيم قبلي قوي، مما مكّنهم من فرض نفوذهم في المنطقة. وقد وصفهم مؤرخو التوراة ومؤرخو مصر القديمة بأنهم كانوا قطاع طرق نشطين، حيث اتخذوا من الركن الغربي لمملكة أدوم الأردنية قاعدة لهم. ورغم سمعتهم كغزاة، فإن احتلالهم لمصر كان تدريجيًا وذكيًا، حيث بدأت العشائر بالاختراق والتمدد نحو وسط مصر وشمالها على مراحل
تأثير الهكسوس على مصر
كان ملك مصر قد أسس جيشًا خاصًا للدفاع عن مملكته، إلا أن هذا الجيش انقلب ضده عندما اقتربت قوات الهكسوس، الذين كانوا من أقاربهم. ومع تزايد الضغط من جيوش الهكسوس، تمكّنوا من السيطرة على أجزاء كبيرة من الأراضي المصرية، مما أضعف السلطة المصرية وأدى إلى تراجع حكم الفراعنة في تلك الفترة
اعتمد المصريون على الهكسوس في مجالات متعددة مثل التجارة والزراعة والحراسة، كما شاركوا أيضًا في الجيش المصري خلال الحروب مع الفراعنة، حيث ساهموا في حماية المملكة. نتيجة لذلك، تغاضى المصريون عن وجود الهكسوس في أراضيهم على مدى عقود طويلة، ورضوا بوجودهم ضمنيًا، دون أن يتخذوا إجراءات صارمة ضدهم. خلال هذه الفترة، تداخلت ثقافة الهكسوس مع الثقافة المصرية، حيث اختلطوا بالمصريين وتزاوجوا معهم، مما ساهم في تقوية وجودهم في المنطقة
لكن مع مرور الوقت، ازدادت قوة الهكسوس وتزايد عددهم، ومعهم جيشهم المدرب جيدًا، حتى وصلوا إلى مرحلة اجتياح مصر بشكل مفاجئ. تحت قيادة ملكهم، استطاع الهكسوس أن يحتلوا البلاد ويطردوا الفرعون، مما أجبره على الفرار إلى الجنوب، ليبدأ بذلك مرحلة جديدة من تاريخ مصر القديمة في ظل حكم الهكسوس
و عندما طلب الملك المصري من فرقة الهكسوس في جيشه محاربة أقاربهم الغزاة، فاجأ الجنود الأردنيون الجميع برفضهم هذا الطلب. بل على العكس، انقضوا على الملك المصري وساندوا أقاربهم الهكسوس في غزو مصر. هذا التعاون بين الهكسوس والأردنيين ساعد في تسهيل عملية الاحتلال، حيث تضافرت القوى الداخلية والخارجية لتحقيق هدف مشترك بوصول الهكسوس الأردنيين إلى حكم مصر. وبفضل هذا التحالف، تحقق الاحتلال بسهولة، مما أدى في النهاية إلى تأسيس حكم الهكسوس في مصر
الصورة على اليمين: المصريون يضربون جواسيس الشاسو (تفاصيل من نقش على جدار معركة قادش)
الصورة على اليسار: رسم مصري قديم يمثل الساشو
عرف المصريون القدماء الهكسوس باسم “الشاسو”، وهو مصطلح يعني في الأصل “أولئك الذين يمشون على الأقدام”، ويشير إلى التجوال والترحال، ويرجح المؤرخون أن تسميتهم جاءت من الكلمة المصرية “الشاسع”، التي تعني “الذين يأتون من الأراضي الشاسعة”، وذلك لأنهم قدموا من مناطق واسعة تسمح بحرية التنقل والتجول، وهي المنطقة التي تشكل اليوم جزءًا من الأردن
أقدم إشارة معروفة إلى “الشاسو” أو الهكسوس تعود إلى القرن الخامس عشر قبل الميلاد، حيث كانوا جزءًا من الشعوب التي سكنت منطقة شرق الأردن. ويظهر اسمهم ضمن قائمة أعداء مصر، المدونة على قواعد الأعمدة في معبد صوليب، وهو معبد في مدينة قديمة تقع في النوبة (السودان حاليًا)، في مملكة مصر الجنوبية. وقد أنشأ هذا المعبد الملك أمنحوتب الثالث، الذي كان أحد أعظم فراعنة الأسرة الثامنة عشر، وحكم مصر في الفترة ما بين ١٣٩١ ق.م. – ١٣٥٣ ق.م
في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، تم نسخ قائمة شعوب بلاد الأردن، وذلك إما على يد الفرعون سيتي الأول أو خليفته رمسيس الثاني. تتضمن هذه القائمة أسماء مختلف الشعوب التي كانت تسكن المنطقة في تلك الفترة، مما يعكس الأهمية الاستراتيجية للأراضي الأردنية في تلك الحقبة، ودورها في العلاقات السياسية والتجارية بين مصر ومحيطها. تبرز هذه الوثائق كدليل على تفاعل الحضارات القديمة في المنطقة وتوثيق لوجود شعوب متعددة كانت تتوزع عبر مناطق الأردن
جادل دونالد بي. ريد فورد، عالم المصريات الكندي المولود في ٢ أيلول ١٩٣٤، بأن الشاسو كانوا في الأصل من مناطق موآب وشمال أدوم وسعير، أي من الأراضي الأردنية. وقد دعم فورد هذا الرأي بما ذكره من رسومات للهكسوس الموجودة على جدران النقوش المصرية التي تعود إلى تلك الحقبة الزمنية. من بين هذه النقوش، يظهر تمثيل للشاسو كأسرى في نقوش رمسيس الثالث، الذي حكم مصر في الفترة من١١٨٦ إلى ١١٥٥ قبل الميلاد، حيث تم تصويرهم في مدينة هابو. هذه النقوش تمثل دليلاً مهمًا على العلاقات التاريخية بين مصر القديمة والشعوب التي سكنت المناطق الأردنية في تلك الحقبة
سارعت عملية توطين الأردنيين في منطقة بلاد إدوم، حيث شهدت المملكة الأردنية الأدومية ازدهارًا كبيرًا بحلول أواخر القرن الثامن قبل الميلاد. وقد أسهم هذا التوطين في تطور المنطقة، لتصبح مركزًا حضاريًا هامًا في تلك الحقبة. تعود العديد من المواقع الأثرية الكبرى المكتشفة في المنطقة إلى الفترة الممتدة بين القرنين الثامن والسادس قبل الميلاد
تشير آخر الإشارات التاريخية المعروفة إلى مملكة إدوم إلى المخطوطة الآشورية التي تعود إلى عام ٦٦٧ قبل الميلاد. ومع ذلك، يظل تاريخ انهيار إدوم كدولة غامضًا، إذ لا يُعرف بشكل قاطع متى أو كيف حدث ذلك، ولا الأسباب التي أدت إلى سقوطها. على الرغم من هذا الغموض، يَرجع العديد من المفكرين إلى النصوص الدينية القديمة، خاصةً إلى (سفر عوبديا) في التوراة، التي تحتوي على إشارات تاريخية قد تفسر هذا الانهيار
مراجع
د . احمد عويدي العبادي, الهكسوس / الشاسو الأردنيون
The Past, The Shasu and Egypt
Wikipedia, Shasu