التنوخيين، جزء: ١ –  النشأة والتأسيس

قبيلة تنوخ الأردنية تعد من أبرز القبائل التي تركت بصمة واضحة في تاريخ الأردن. ومن أبرز شخصياتها الملكة ماوية، التي تميزت بحكمتها وقوتها في تلك الحقبة. كما أن قبيلة تنوخ لعبت دورًا مهمًا في تشكيل التحولات السياسية والاجتماعية في المنطقة، مما يعكس تاريخًا طويلًا من التفاعل مع القوى المحلية والإقليمية

  (التنوخيين) خريطة اتحاد قبائل التنوخيد

قبيلة تنوخ الأردنية (التنوخيين) تُعد واحدة من أبرز القبائل التي اختارت الانصهار في النسيج الوطني الأردني عبر التاريخ، مساهمةً في تعزيز الهوية الأردنية. ومن بين شخصياتها البارزة، الملكة الشهيرة ماوية المعززة، التي كانت زوجة الملك معاوية الحواري الجذامي، عُرفت ماوية بحكمتها وشجاعتها، ما جعلها رمزًا للمرأة القيادية في تلك الحقب

مع تحول موازين القوى السياسية في المنطقة، انصهرت قبيلة تنوخ، فرع بيريا (مملكة بيريا)، في المجتمع الأردني القديم كمواطنين أصيلين ضمن رعايا مملكة بيريا هناك، تمتع أفراد القبيلة بكافة حقوق المواطَنة الأردنية، كما تحملوا مسؤولياتها والتزموا بواجباتها، مما يعكس رغبتهم في التكيف مع التحولات السياسية والاجتماعية

يُذكر أن هذا الاندماج جاء بعد مرحلة انتقالية مهمة، حيث انتقلت قبيلة تنوخ من مواطَنة المملكة النبطية الأردنية إلى مواطَنة مملكة بيريا. تزامن هذا الانتقال مع فترة بلغت فيها السلطة السياسية الأردنية أوج قوتها في منطقة بيريا، بينما كانت ممالك أخرى مثل الأنباط والضجاعمة تشهد تراجعًا كبيرًا تحت ضغط الاحتلال الروماني

لعبت قبيلة تنوخ دورًا بارزًا في الأحداث السياسية والاجتماعية، خاصة في محاولاتها لإعادة إحياء مجد ممالك أجدادهم في اليمن. تلك الممالك التي أصابها الخراب بفعل السيل العَرِم وانهيار سد مأرب، مما دفع القبائل اليمنية، ومن ضمنها تنوخ، إلى الهجرة شمالًا بحثًا عن الاستقرار والنفوذ

مالك بن فهم: زعيم تنوخ و أول زعيم من تنوخ

في الأردن، ظهر مالك بن فهم كأول زعيم من تنوخ يتولى الحكم هناك، قبل أن تنقسم القبيلة إلى أجنحة أربعة. تولى مالك بن فهم قيادة قبيلته ونُصِب ملكًا على الأرض الأردنية، حاملًا هذا اللقب خلال الفترة ما بين ١٩٦ – ٢٣١م. كان طموحه الكبير أن يؤسس مملكة قوية وثابتة تليق بمجد آبائه، إلا أن الأوضاع في الأردن حالت دون ذلك. فقد واجه تحديات جمة نتيجة وجود قوى محلية متعددة تتنافس على السيطرة، بالإضافة إلى الصراع المستمر مع الغساسنة، أبناء عمومته من القبائل اليمنية الأخرى

وهكذا، شكّل حكم مالك بن فهم في الأردن فصلًا هامًا في تاريخ تنوخ، عاكسًا إرادة القبيلة في النهوض مجددًا رغم التحديات السياسية والجغرافية التي واجهتها

في خضم التحولات السياسية التي عصفت بالمنطقة، كان مالك بن فهم شاهدًا على انهيار المملكة النبطية، التي كانت يومًا ما قوة سياسية وثقافية مهيمنة. كما عايش تشتت العشائر الأردنية تحت وطأة السيطرة الرومانية، وهو وضع زاده تعقيدًا انزواء مملكة بيريا الأردنية، التي شكلت لفترة طويلة رمزًا للاستقرار والقدسية

أدرك مالك بن فهم خطورة الموقف، خاصة مع تزايد الأطماع الرومانية التي لم تتردد في بسط نفوذها على المناطق المحيطة. ولأن مملكة بيريا الأردنية كانت تتمتع بقدسية خاصة وتُعد ملاذًا آمنًا، فقد حرص مالك على تجنب أي صدام مباشر معها، خوفًا من أن يواجه مصيرًا مشابهًا لما عانى منه أسلافه في اليمن بسبب سوء تدبيرهم

أمام هذه التحديات، وجد مالك بن فهم أن الخيار الأفضل هو التوجه نحو الجناح الشرقي من المنطقة، حيث الأراضي التي كانت سابقًا جزءًا من مملكة الأنباط. تلك المملكة، التي بدأت تفقد نفوذها تدريجيًا، بدت لمالك كفرصة لإعادة ترتيب صفوفه وبناء قوة جديدة بعيدًا عن الضغوط الرومانية المباشرة. بهذا القرار، فتح مالك صفحة جديدة في تاريخ المنطقة، ساعيًا إلى تأسيس موطئ قدم قوي وسط عالم متغير

في فترة تاريخية مليئة بالتحديات السياسية والاجتماعية، أدرك مالك بن فهم أن تحقيق طموحه بالوصول إلى العرش وتأسيس مملكة في أرض الأردن لم يكن أمرًا يسيرًا. لقد كانت الأرض محط أنظار العديد من القوى المحلية والإقليمية، ما جعل المنافسة على الحكم معقدة ومتشابكة

كان مالك بن فهم، كوافدٍ إلى المنطقة، واعيًا بأن التفوق على السكان الأصليين يتطلب استراتيجية دقيقة وتحالفات ذكية. فقد واجه قوى محلية متنوعة ومؤثرة، من أبرزها قبيلة قضاعة القوية، وسكان مملكة بيريا، وقبائل مثل جذام وبني عاملة. إلى جانب ذلك، كانت المنطقة لا تزال تحمل إرث ممالك قديمة ذات حضور ثقافي واجتماعي، مثل مملكة الأنباط التي اشتهرت بعاصمتها البتراء، وممالك عمون وباشان وأدوم، إضافة إلى مناطق مثل بلعام

لم تكن هذه القوى المحلية وحدها التحدي الذي واجهه مالك بن فهم، إذ كان النفوذ الروماني في المنطقة يشكل عقبة إضافية أمام طموحاته. فالرومان كانوا يحكمون أجزاءً واسعة من الشرق القديم، ويمتلكون قدرة على التأثير في الأحداث المحلية عبر تحالفاتهم وقوتهم العسكرية

لذلك، كان طموح مالك بن فهم ببناء مملكة خاصة به في الأردن يتطلب منه خوض صراعات معقدة، وفهمًا عميقًا للتوازنات السياسية في المنطقة. في ظل هذه الظروف، اتسمت تحركاته بالدقة والحنكة السياسية، حيث عمل على التعامل مع واقع يتسم بالتشابك بين قوى محلية وإقليمية

في إحدى المحطات التاريخية البارزة، اتخذ مالك بن فهم، أحد القادة العرب البارزين، قرارًا محوريًا بتغيير مسار حياته ومصير قومه. كان مالك يطمح إلى تأسيس مملكته في الأردن، إلا أن الواقع أظهر له أن هذه المهمة لن تكون سهلة، بل تتطلب مواجهة صراعات مريرة ومعارك طاحنة قد تستنزف قواه وقوى أتباعه

أمام هذا الواقع المعقد، اختار مالك بن فهم أن يبحث عن أرض أكثر ملاءمة لتحقيق طموحه السياسي. فكانت وجهته إلى عُمان، الواقعة على ضفاف الخليج العربي، حيث كانت الأوضاع أقل تعقيدًا، والصراعات أقل شراسة مقارنة بالأردن. بعد رحلة طويلة مليئة بالتحديات، نجح مالك بن فهم في الوصول إلى مبتغاه، وأعلن نفسه ملكًا على عُمان، مؤسسًا بذلك حكمه الذي احتضن قبيلة تنوخ ومن انضم إليهم من القبائل الأخرى

تبوأ جذيمة الأبرش، ابن مالك بن فهم بن غُنْم التنوخي، مكانة بارزة عندما خلف والده على عرش عُمان، ليصبح ثالث ملوك تنوخ وأول ملوك الحيرة. هذا الحدث لم يكن مجرد تحول في مسار الممالك العربية، بل أيضاً نقطة انطلاق في قصة نسبية تُبرز ارتباط عشيرة أبو الغَنَم البلقاوية الأردنية بجذور تاريخية عريقة

عشيرة أبو الغنم: أبرز عشائر مادبا

عشيرة أبو الغَنَم، التي تنحدر جذورها من الجد التنوخي العظيم، تعد من أبرز العشائر التي سكنت مدينة مأدبا في الأردن، وشهدت أدوارًا مهمة في تشكيل النسيج الاجتماعي والسياسي للمنطقة. تعود أصول هذه العشيرة إلى قبيلة تنوخ الشهيرة، التي ارتبطت بمجدها في زمن الملك التنوخي المعروف جذيمة الأبرش، الذي ترك بصمة بارزة في تاريخ العرب قبل الإسلام

وقد حافظت عشيرة أبو الغنم عبر القرون على مكانة مرموقة بين العشائر الأردنية، بفضل أصولها العريقة ودورها في الحياة السياسية والاجتماعية. كما أسهمت في تعزيز التراث الثقافي والقيمي الذي حملته قبائل تنوخ إلى مختلف المناطق التي استقرت فيها. تُعتبر هذه العشيرة رمزًا للتاريخ الممتد من ماضٍ ملكي مجيد إلى حاضر زاخر بالعطاء والتأثير

المؤرخ العربي الشهير هشام بن محمد الكلبي

في سياق السرد التاريخي للأحداث المرتبطة بقبيلة تنوخ ودورها البارز في تاريخ العرب، يبرز اسم المؤرخ العربي الشهير هشام بن محمد الكلبي(١١٠ هـ – ٢٠٤ هـ)، الذي يعد من أهم أعلام دراسة الأنساب وأخبار العرب. وقد اعتمد عليه كثير من المؤرخين اللاحقين في توثيق تاريخ القبائل العربية

بحسب ما ورد في مؤلفات الكلبي، كان مالك بن فهم الأزدي هو أول ملوك قبيلة تنوخ وأول من حكم عُمان في الفترة ما بين عام ١٩٦م و٢٣١م. يجمع المؤرخون على أن مالك بن فهم يمثل شخصية محورية، حيث أسس حكمًا مستقرًا في المنطقة وارتبط اسمه ببداية عهد جديد لقبيلة تنوخ، التي أصبحت ذات شأن كبير في الجزيرة العربية خلال تلك الحقبة

مراجع

د . احمد عويدي العباديالتنوخيين (قبيلة تنوخ الأردنية)
تنوخيون ,Wikipedia

Previous:
العماليق الأردنيين، جزء: ١١– المزيد من البراهين التاريخية على أن الشاسو هم أردنيون
Next:
المملكة الأردنية العمونية, جزء: ١ – ملامح التأسيس والنشأة