المملكة الأردنية العمونية، جزء: ٢ – الحدود وأهم المواقع  

تعد المملكة الأردنية العمونية واحدة من الممالك القديمة التي تركت بصمات واضحة في تاريخ المنطقة، رغم التحديات في تحديد حدودها السياسية بدقة. فقد أسس الأردنيون العمونيون دولتهم في منطقة شهدت تغيرات مستمرة في محيطها، مما جعل تحديد معالم المملكة أمرًا معقدًا. ومع ذلك، فإن الآثار الدفاعية التي خلفها العمونيون، مثل الأبراج العسكرية، تظل شاهدًا حيًا على قوة المملكة وعراقتها في تلك الحقبة الزمنية

على الرغم من التحديات التي تواجهنا في رسم حدود سياسية دقيقة للممالك التي نشأت في العصور القديمة، فإن المملكة الأردنية العمونية تمكّنت من ترك بصمات واضحة على خريطة التاريخ بفضل العديد من العوامل التي ساعدت في رسم معالم حدودها وأهم مواقعها. فقد أسس أجدادنا الأردنيون العمونيون دولتهم في منطقة كانت تشهد تغيرات مستمرة في محيطها، مما جعل تحديد الحدود أمرًا صعبًا. ومع ذلك، فإن آثار الأبراج الدفاعية التي شيدها العمونيون، والتي ما زالت آثارها قائمة حتى يومنا هذا، تقدم لنا دليلاً ملموسًا على عراقة المملكة وقوتها العسكرية

حدود المملكة الأردنية العمونية

الحدود الشمالية

يُعد نهر يبوق (المعروف اليوم بنهر الزرقاء) هو الحد الشمالي للمملكة الأردنية العمونية، حيث كان يشكل الفاصل الجغرافي بينها وبين الممالك الآرامية التي امتدت على الأراضي الأردنية بعد انهيار مملكة عوج ملك باشان. تُظهر الاكتشافات الأثرية أن الآثار التي تعود إلى الفترة العمونية قد وُجدت إلى الشمال من نهر الزرقاء، مما يشير إلى أن النفوذ الأردني العموني قد تجاوز هذا النهر في عدة فترات تاريخية. لكن يبدو أن الصورة الأقرب إلى الواقع التاريخي هي أن حوض نهر الزرقاء بكامل ضفتيه الشمالية والجنوبية كان ضمن نطاق سيطرة وتأثير الأردنيين العمونيين، مما يعكس القوة والتوسع الذي حققته هذه المملكة

نهر يبوق (نهر الزرقاء)

الحدود الجنوبية

يعد وادي أرنون (الموجب) بمثابة الحد الجنوبي للمملكة الأردنية العمونية، حيث يفصلها عن المملكة الأردنية المؤابية. إلا أن هذا الحد لم يكن فاصلًا قاطعًا بين المملكتين، بل كان بمثابة منطقة تداخل ثقافي وهوياتي، حيث جمعت بينهما روابط مشتركة على كافة الأصعدة. كان هذا التمازج الثقافي يعبّر عن وحدة تاريخية وسمات مشتركة ساهمت في تعزيز العلاقة بين الشعبين، إضافة إلى الروابط السياسية والعسكرية التي كانت قائمة بين المملكتين الأردنيتين. هذه العلاقات كانت تتيح تداخل الأراضي بينهما، وتؤكد على عمق التعاون بين المملكتين الشقيقتين

وادي الموجب - عرف بنهر ارنون وتم ذكره في مسلة ميشع الملك المؤابي الأردني

الحدود الشرقية

تمتد الحدود الشرقية للمملكة الأردنية العمونية على طول مرتفعات البلقاء، حيث يبرز التنوع الجغرافي بين المناطق الجبلية والصحراوية. في البادية الأردنية الوسطى، وعلى مقربة من أطراف الصحراء، تم اكتشاف العديد من الأبراج الدفاعية التي تعود للعهد العموني. هذه الأبراج لم تكن مجرد منشآت عسكرية، بل كانت بمثابة خطوط دفاعية حيوية، ترمز إلى مدى أهمية الحفاظ على أمن المملكة من الغزوات القادمة من الصحراء, تشير الدراسات إلى أن هذه الأبراج كانت تلعب دورًا محوريًا في حماية التجمعات الزراعية التي كانت تشكل العمود الفقري للاقتصاد العموني. علاوة على ذلك، يُعتقد أن هناك تنسيقًا وثيقًا بين هذه الأبراج والقبائل الأردنية البدوية التي كانت تابعة للنفوذ العموني. كان التنسيق بين القوات العسكرية المحلية والقبائل البدوية يشكل درعًا واقيًا ضد أي تهديدات قد تطرأ من الاتجاه الشرقي، من الصحراء التي كانت تمثل تهديدًا متواصلًا للمملكة

و من خلال هذه الأبراج، يبدو أن العمونيين استطاعوا تأمين حدودهم الشرقية وفرض سيطرتهم على المناطق الزراعية الحيوية، ما ساهم في تعزيز قوتهم وتمدُّد نفوذهم في تلك الحقبة الزمنية

الحدود الغربية

تمتد الحدود الغربية للمملكة الأردنية العمونية على طول سفوح الجبال والمناطق الغورية التي تتاخم وادي الأردن، وهي من أبرز النقاط الجغرافية التي شكلت تحديات استراتيجية كبيرة للمملكة. تعد هذه الحدود من أخطر المناطق نظرًا لأنها كانت تطل على أراضٍ كانت تحت نفوذ العبرانيين، الذين كانوا في صراع مستمر مع الأردنيين العمونيين والمؤابيين، حيث كان العداء والتوتر بين هذه الشعوب مستمرين لقرون. فقد شكلت هذه الحدود نقطة اشتباك بين القوى المختلفة في المنطقة، وهو ما جعلها منطقة حساسة من الناحية العسكرية والسياسية

نهر الأردن

أهم المواقع في المملكة الأردنية العمونية

العاصمة ربة عمون (عمان)

تعد العاصمة ربة عمون، التي تعرف اليوم بعمان، من أبرز المواقع التاريخية في المملكة الأردنية العمونية. كان موقع جبل القلعة في عمان الحديثة هو المركز الرئيسي لهذه العاصمة القديمة. يقع هذا الجبل في قلب العاصمة الحالية، ويعتبر واحداً من أبرز جبال عمان, تعود أهمية جبل القلعة إلى العصور القديمة، حيث يشهد هذا الموقع على مراحل تاريخية مهمة بدأت منذ بداية العصر النحاسي. وقد احتل هذا الجبل مكانة متميزة عبر القرون، ليصبح مركزاً للحياة السياسية والاقتصادية في تلك الفترة

جانب من الجدار الذي يحيط بمدينة ربة عمون

تل سيران

يعد تل سيران أحد المواقع الأثرية المهمة التي تعود إلى العصر الحديدي، ويقع داخل حرم الجامعة الأردنية. تم اكتشاف “قارورة تل سيران” الشهيرة أثناء إحدى الحفريات الأثرية التي قام بها أحد طلاب كلية السياحة والآثار. كما أظهرت الحفريات اكتشاف العديد من الكسر الفخارية التي تعود إلى فترات زمنية مختلفة، بما في ذلك العصور الحديدية، الرومانية، والأموية، مما يعكس تاريخاً طويلاً ومتعدد العصور لهذا الموقع

قارورة تل سيران

تل جاوة الجنوبي

يقع تل جاوة الجنوبي إلى الجنوب من عمان، ويشغل مساحة تقدر بحوالي عشرين دونماً. يضم الموقع عدداً من المباني المتنوعة التي تشير إلى أنه كان مستوطنة زراعية متوسطة الحجم. من خلال الدراسات الأثرية، يعتقد أن الموقع كان مركزاً زراعياً مهماً في فترات تاريخية سابقة، مما يعكس دور هذه المنطقة في النشاط الزراعي في العصور القديمة

موقع جلول

موقع جلول يقع إلى الشمال الشرقي من مدينة مادبا، بالقرب من الحدود الفاصلة بين المملكة الأردنية العمونية والمملكة الأردنية المؤابية. يمتد الموقع على مساحة تبلغ ٧٣ دونماً، ويعتبر من المدن المتوسطة الحجم في تلك الفترة. يعكس الموقع تاريخاً غنياً بالأحداث والأنشطة التي كانت تدور بين المملكتين، مما يضفي على المنطقة أهمية استراتيجية وثقافية في العصور القديمة

موقع تل العميري

يقع موقع تل العميري إلى الجنوب الغربي من ربة عمون، ويعد من أبرز المواقع الأثرية في الأردن. يشير التاريخ إلى أن هذا الموقع كان تجمعًا سكانيًا منذ العصور القديمة، حيث يعود تاريخه إلى العصر النحاسي. شهد الموقع تطورات كبيرة عبر العصور المختلفة، حيث تطور من مجرد تجمع سكاني إلى أن أصبح مدينة دولة مزدهرة خلال العصر البرونزي. في العصور اللاحقة، لعب تل العميري دورًا محوريًا في الحضارة العمونية، ويعتبر أحد أهم المواقع التي تمثل تاريخ المملكة العمونية في الأردن

تل العميري

تل صافوط الأثري

ينتشر موقع تل صافوط الأثري شمال عمان على الطريق الذي يربط العاصمة عمان بمناطق الشمال مثل جرش، إربد، وعجلون. يعد هذا الموقع واحدًا من أبرز المواقع الأثرية في المنطقة، ويتميز بوجود العديد من الآثار التي تعود إلى المملكة العمونية

عراق الأمير

بدأ التواجد البشري في منطقة عراق الأمير منذ آلاف السنين، حيث استوطنها الأجداد الأردنيون الأوائل منذ العصر الحجري الوسيط، الذي يمتد من حوالي ٨٠٠٠ إلى ١٠٠٠٠ سنة قبل الميلاد. اسم “عراق” يُرجح أنه يعود إلى الكهوف التي كانت تستخدم كمأوى ومساكن في العصور القديمة. يقال أن المنطقة سميت بهذا الاسم نسبة إلى هذه الكهوف التي استغلها الأمير طوبيا العموني، إضافة إلى القصر الذي بناه في المنطقة. تعتبر عراق الأمير من أهم المواقع الأثرية التي تعكس الحضارة العمونية في الأردن، حيث تحتوي على آثار قيمة تروي قصة الاستيطان العموني في تلك الحقبة

عراق الأمير

قصر العبد (قصر عراق الأمير)

يعد قصر العبد، الذي يقع في منطقة عراق الأمير في الأردن، أحد المعالم التاريخية الهامة التي تعود إلى العصور القديمة. بناء القصر يعود إلى حوالي خمسة آلاف عام، وتحديدًا إلى العصر الهلنستي في القرن الثاني قبل الميلاد، حيث تم تشييده على يد هركانوس، أحد أبناء أسرة طوبيا العمونية الأردنية. تم بناء القصر في عهد الملك السلوقي سلوقس الرابع، الذي حكم في تلك الفترة

يُطلق على القصر اسم “قصر عراق الأمير”، حيث أن “عراق” تعني مدخل المغارة، بينما “الأمير” يشير إلى طوبيا العموني، وهو أحد أبرز الشخصيات في التاريخ الأردني القديم. تشير الأدلة التاريخية من نقوش وكتابات على المسكوكات والرسومات إلى أن القصر قد تم بناؤه في الفترة ما بين عامي١٨٧ و ١٧٥ قبل الميلاد، أي في زمن حكم البطالمة، وتحديدًا في عهد سلوقس الرابع

وكان هركانوس، الذي يُنسب إليه بناء القصر، ينتمي إلى الأسرة الطوبية العمونية الأردنية، وكان أحد أبرز الأمراء الذين حكموا المنطقة في تلك الفترة. بدأ طوبيا العموني حياته كأمير ونائب للملك، حيث كان والياً على مدينة عمّان في عهد البطالمة، قبل أن يصبح ملكًا على العمونيين في وقت لاحق

الطوبيا العمونية الأردنية، التي ينتمي إليها هركانوس، كانت أسرة مؤثرة في المنطقة، حيث استقر أفرادها في منطقة وادي السير منذ عام ٣٦٠ قبل الميلاد، ليصبح طوبيا في ما بعد آخر ملوك العمونيين الأردنيين

قصر العبد (قصر عراق الأمير)

رجم المخيزن (خربة الحجار)

هو موقع أثري يقع في منطقة الرصيفة / شلنر في المملكة الأردنية الهاشمية. يعد هذا الموقع أحد الأبراج الدفاعية التي شيدتها المملكة العمونية لحماية حدود مدينة ربة عمون. تعود أهميته إلى دوره الاستراتيجي في تأمين المنطقة ضد الهجمات الخارجية، حيث كان يستخدم كنقطة مراقبة وحماية في قلب الأراضي العمونية

تمثل هذه الأبراج جزءاً من شبكة الدفاع المتكاملة التي كانت تعتمد عليها المملكة العمونية للحفاظ على حدودها وأمنها في فترات مختلفة من تاريخها. وقد ارتبط هذا الموقع بمراحل عدة من التاريخ العموني، ما يجعله شاهداً على تطور الحضارة العمونية وتفاعلها مع جيرانها على مر العصور

المراجع


أبحاث إرث الأردن، المملكة الأردنية العمونية- الحدود وأهم المواقع
أبحاث إرث الأردن، قصر العبد – عراق الأمير
د. يوسف درويش غوانمة (١٩٧٩), عمان حضارتها وتاريخها
عمونيون ,Wikipedia
تل العميري في مادبا ,Youtube

Previous:
المملكة الأردنية العمونية, جزء: ١ – ملامح التأسيس والنشأة
Next:
المملكة الأردنية العمونية، جزء: ٣ – ملوك مملكة عمون وإنجازاتهم