المملكة الأردنية العمونية، جزء: ٣ – ملوك مملكة عمون وإنجازاتهم
في أعماق التاريخ الأردني، برز الأردنيون الأوائل كمؤسسين لثلاث ممالك ملكية: أدوم، مؤاب، وعمون، التي كانت شاهداً على تطور حضاري طويل الأمد. امتزجت في هذه الممالك القيم الاجتماعية الراسخة بالنظم الإدارية والعسكرية المتقدمة، مما عزز قوتها في وجه التحديات. وكانت مملكة عمون نموذجاً حياً لهذا التطور، حيث قدم ملوكها، مثل ناحاش وحانون، إسهامات بارزة في صياغة تاريخ المنطقة، وسط تفاعل مستمر مع القوى الكبرى والمجاورة
كان أجدادنا الأردنيون الأوائل قد أسسوا ثلاث ممالك ذات أنظمة ملكية، هي: أدوم، مؤاب، وعمون. هذه الممالك لم تكن مجرد كيانات سياسية، بل كانت نتاج تطور طويل مرّ به الأردنيون عبر آلاف السنين، حيث تم تأسيسها وفقًا لأسس اجتماعية وثقافية راسخة
كانت الأنظمة الملكية التي نشأت في تلك الفترة تتسم بطابع تشاوري يراعي القيم الاجتماعية للأردنيين، فالحكم لم يكن مقتصرًا على الملك وحده، بل كان مرتبطًا بعلاقات اجتماعية معقدة. لم يكن للملك صلاحية اتخاذ القرارات المصيرية بشكل فردي، بل كان ملزمًا بالتشاور مع قادة المجتمع المحليين الذين يمثلون مختلف الفئات الاجتماعية: من مدن وقبائل إلى القرى والتجمعات الفلاحية. هذه البُنى الاجتماعية شكلت شبكة قوية من الدعم للملك، حيث كان يستمد شرعية حكمه منها
وإذا كانت الممالك قد نشأت بناءً على توافقات اجتماعية بين هذه القوى المختلفة، فإن الحاجة إلى إنشاء دولة ذات نظام إداري وعسكري متطور كان أمرًا ضروريًا لصون مصالح الجميع. ورغم هذا التعاون بين الملك والشعب، فإن للملك الدور البارز في قيادة المملكة، حيث كان هو من يصدر القرارات النهائية باسم الدولة، وكان يعد أحد الرموز الأساسية لها
الملك ناحاش: زعيم الأردنيين العمونيين في مواجهة تحديات العبرانيين
الملك الأردني ناحاش هو ملك عموني حكم بين عامي (١٠٢٠-١٠٠٠ ق.م)، يعتبر ناحاش من أبرز الشخصيات في تاريخ الأردن القديم، فقد خدم ملكاً طموحاً قاد قومه في فترة عصيبة شهدت تراجعاً كبيراً للقوة الأردنية العمونية. ففي تلك الفترة، كان العبرانيون قد تمكنوا من التوغل في الأراضي العمونية واحتلال أجزاء منها، وهو ما شكل تهديداً كبيراً للأردنيين
تمكن الملك ناحاش من إعادة تنظيم جيشه وبث الروح المعنوية بين شعبه، الذين كانوا غاضبين من الوجود العبراني داخل أراضيهم. بدأ الملك ناحاش في شن هجمات انتقامية ضد العبرانيين، مما أرغمهم على طلب إبرام معاهدة. لكن ناحاش كان حازماً في شروطه، حيث فرض على العبرانيين أن يعترفوا بسيادة عمونية صارمة، و ينصاعوا لقوانين قاسية تكاد تكون أشبه بنظام العمل بالسخرة
في هذا السياق، كانت ثقة الملك ناحاش بقوته قد بلغت ذروتها لدرجة الغرور، حيث منح العبرانيين مهلة سبعة أيام للرد على شروطه، معتقداً أن هذا سوف يساهم في تقوية موقفه. كان يعتقد أن العبرانيين المحاصرين داخل الأراضي العمونية سيطلبون المساعدة من قبائلهم خارج الحدود، ولكن الملك ناحاش لم يعر ذلك اهتماماً. بل كان يرى أن هذه المهلة سوف تجذب المزيد من العبرانيين، مما يسهل عليه هزيمتهم وإضعاف قوتهم بشكل نهائي
غير أن الأحداث أخذت منعطفاً مفاجئاً. فقد شعر العبرانيون بخطر التوسع العموني وقرروا توحيد صفوفهم لمواجهة التهديد. في خطوة تاريخية، نصبوا شاؤول ملكاً عليهم، ليجمع قواهم تحت راية واحدة. وكانت هذه هي المرة الأولى التي يؤسس فيها العبرانيون مملكة موحدة تحت حكم ملك واحد. استخدم شاؤول رجال الدين لتحفيز الشعب على حمل السلاح، وأضفى على الحرب طابعاً مقدساً، مما دفع الجميع للمشاركة في الدفاع عن أرضهم
وفي النهاية، تمكن شاؤول من تحقيق انتصار حاسم على الملك ناحاش. فقد كان انتصار العبرانيين مفاجئاً للملك الأردني، الذي وقع في فخ تقدير قوة خصومه بشكل غير دقيق. بهذا الانتصار، أوقف العبرانيون طموحات الملك ناحاش في التوسع، وأسهمت تلك المعركة في تشكيل بداية مملكة العبرانيين الموحدة، في وقت كان الأردنيون العمونيون في ذروة قوتهم
الصورة على اليمين: ملك عموني - جبل القلعة
الصورة على اليسار: رأس إله عموني - جبل القلعة
تمثال الملك عموني معروض في متحف الأردن اكتشف بالقرب من جبل القلعة في عمّان، ويعود عمره تقريباً إلى القرن الثامن قبل الميلاد (٨٠٠-٧٠٠ ق.م) حسب فحوصات الكاربون المشع. يعتقد علماء الآثار أن هذا تمثال يصور ملك عموني كان ينظر إليه على أنه آله، ويظهر عليه بوضوح تأثير الحضارات المصرية القديمة مثل التاج الفرعوني وتأثير الأنماط الحثية والآرامية الحديثة/السورية مثل لبس الشال على الثوب
الملوك الأردنيون العمونيون
الملك الأردني حانون
في أواخر عهد الملك الأردني العموني ناحاش، تحالف هذا الأخير مع الملك داوود في صراعه ضد الملك شاؤول، مما مكّن داوود من السيطرة على مملكة إسرائيل. وبعد وفاة ناحاش، قرر داوود أن يُرسل وفداً إلى المملكة الأردنية العمونية لتقديم التعازي للملك الجديد حانون، تقديراً منه للدعم الذي قدمه ناحاش في أوقات ضعفه
عندما وصل الوفد إلى عاصمة عمون، “ربة عمون”، شكَّ مستشارو الملك حانون في نوايا الوفد، ظنّاً منهم أنه جاء ليتجسس على المدينة تمهيداً لغزو إسرائيلي. وبناءً على هذه الشكوك، نصح الحاشية الملك حانون بإهانة الوفد وطرده من البلاط، وهو ما فعله الملك بالفعل
وعند عودة الوفد إلى داوود، اعتبر الملك الإسرائيلي تصرف حانون إهانة شخصية وتلميحاً إلى إعلان حرب. فبادر على الفور بتجهيز جيشه استعداداً للقتال. على إثر ذلك، اندلعت الحرب بين مملكة إسرائيل والمملكة الأردنية العمونية، حيث تمكنت قوات داوود من تحقيق النصر في هذه المواجهة، فيما فشل الملك حانون في صد الهجوم أو تحقيق الانتصار
الملك الأردني بعشا
في السجلات الأشورية، ورد اسم الملك الأردني العموني بعشا ضمن قائمة من الملوك الذين شكلوا تحالفًا سياسيًا وعسكريًا في مواجهة شلمنصر الثالث، ملك آشور. كان هذا الملك الأردني جزءًا محوريًا من الحلف الذي ضم عددًا من حكام الدول المجاورة لآشور من الجهة الغربية. تكوّن هذا التحالف لمواجهة الطموحات التوسعية لشلمنصر الثالث، الذي سعى جاهدًا للسيطرة على المنطقة
شهد هذا التحالف مواجهة مباشرة مع القوات الأشورية في ثلاث معارك متتالية، حيث باءت محاولات شلمنصر الثالث لتحقيق أهدافه بالفشل. على الرغم من الخسائر العسكرية التي تكبدها الأردنيون العمونيون وحلفاؤهم، إلا أن الأشوريين لم يتمكنوا من فرض سيطرتهم على المنطقة، مما عكس قوة هذا التحالف وصلابة مقاومته للغزو الأشوري
الملك الأردني سانيبو
الملك الأردني سانيبو هو أحد أبرز الملوك الذين حكموا مملكة عمون في العصور القديمة. ورد اسمه في حوليات الملك الأشوري تجلات بلاسر الثالث، حيث ذكر ضمن قائمة الملوك الذين بعثوا بالهدايا تقديراً لسلطة الملك الأشوري في تلك الفترة. تعد هذه الحوليات من أهم المصادر التاريخية التي تسلط الضوء على علاقات مملكة عمون مع القوى الكبرى في تلك الحقبة، بما في ذلك آشور. وكان الملك سانيبو من الملوك الذين حافظوا على علاقات دبلوماسية مع آشور، مما يعكس دور مملكة عمون في السياسة الإقليمية آنذاك
الملك الأردني بودو ايل
في زمن الملك الأشوري سنحاريب، ورد اسم ملك أردني عموني في السجلات الأشورية كأحد الملوك الذين بعثوا بالهدايا إلى الملك الأشوري. يُظهر هذا الحدث العلاقات الدبلوماسية التي كانت قائمة بين الممالك المختلفة في تلك الحقبة، حيث كان الملوك يتبادلون الهدايا والتقدير بهدف تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية
الملك الأردني عمي ندب (الأول)
ورد اسم الملك الأردني العموني “عمي ندب” في السجلات الأشورية خلال فترة حكم الملك الأشوري آشوربانيبال. ويعد “عمي ندب” الأول في تاريخ العمونيين، حيث تذكر النصوص الأشورية اسمه في سياق أحداث تلك الحقبة. ومن الجدير بالذكر أن هناك ملكاً أردنياً عمونياً آخر يحمل نفس الاسم “عمي ندب” في فترة لاحقة، وقد تم التأكد من ذلك عبر نقوش عمونية، مما يعكس استمرار سلالة حكام عمون في تلك الحقبة التاريخي
تمثال مسرح عمان – ملك عموني
أثناء أعمال ترميم المسرح الروماني في قلعة عمان عام ٢٠١٠، تم الكشف عن جسم حجري كبير وسط طبقات الحشوة الرومانية القديمة. قاد البروفيسور جويل إس. بورنيت من جامعة بايلور في ولاية تكساس، بالتعاون مع خبير الآثار روميل غريب من دائرة الآثار الأردنية، عملية إنقاذ سريعة لاستعادة هذه القطعة الأثرية الفريدة، التي تبيّن أنها تمثال لملك عموني
يتميز التمثال برأسه الكبير وقدميه وطريقة تقديمه البسيطة، التي تتوافق مع الأساليب الفنية الحثية والآرامية المعاصرة في مناطق شمال سوريا وجنوب شرق الأناضول. تُبرز لحيته الكاملة وملابسه المنسدلة المزينة بالحواف والشراشيب الطراز الذي يظهر في تماثيل الملوك الآشوريين. كما أن وضع ذراعه يعكس أسلوبًا كلاسيكيًا مصريًا، كان شائعًا في أنحاء شرق البحر الأبيض المتوسط خلال تلك الحقبة
ملك عموني - تمثال مسرح عمان
الصورة على اليمين: إزالة تمثال مسرح عمان بعد أعمال الحفر الإنقاذية
الصورة على اليسار: ملك عموني - تمثال مسرح عمان
في كتاب ” تمثال مسرح عمان وعبادة الأسلاف الملكيين الأمونيين “، الذي صدر في ديسمبر ٢٠١٩، كتب بورنيت وغريب عن هذا وغيره من الأمثلة الأصغر ذات الصلة لمثل هذا التمثال
يظهر الشكل المرسوم في التمثال وهو يحمل زهرة في يده اليسرى. وزهرة اللوتس (أو زنبق الماء الأزرق) لها أصل فني مصري. ففي الفن الشامي القديم، إذا تم حملها في وضع مستقيم تجاه وجه الحاكم، فإنها ترمز إلى الحياة والتجدد الذي يتمتع به الملك الحي, وإذا تم توجيهها إلى الأسفل أو بعيدًا عن الحاكم (كما هي الحال في هذا التمثال)، فإنها تسمى عادةً “زهرة اللوتس المتدلية”، دلالة على زعيم متوفى وقت البناء
وبحسب عالمي الآثار، من المرجح أن يكون التمثال الضخم قد وقف إما في ربع المدينة التي تعود إلى العصر الحديدي والتي خصصت كنصب تذكاري لملوك العمونيين المتوفين، أو ربما وقف بجانب بوابة أو هيكل مبنى
الملوك الأردنيون العمونيون الذين وردت أسماؤهم في النقوش العمونية
كشفت الحفريات الأثرية عن مجموعة من القطع الأثرية التي تحمل نقوشًا عمونية، ومن بين هذه النقوش تم العثور على أسماء لبعض الملوك الأردنيين العمونيين. ورغم أن هذه النقوش لم تقدم تفاصيل دقيقة عن حياة هؤلاء الحكام، فإنها كانت مصدرًا مهمًا لفهم جوانب من تاريخ العمونيين. في هذا السياق، سنتناول الأسماء التي ظهرت في هذه النقوش وما ورد عنها، محاولين تسليط الضوء على ما يمكن استنتاجه حول هؤلاء الملوك في إطار الحقبة الزمنية التي عاشوا فيها
الملك الأردني زاكور
الملك زاكور هو أحد الملوك الأردنيين القدماء الذين حكموا منطقة عمون في العصور القديمة. ورد اسمه في تمثال عمان، الذي اكتشف في حفريات جبل القلعة، وهو الموقع الذي كان يعد جزءاً من مدينة ربة عمون التاريخية. هذا التمثال يحمل نقشاً على قاعدته يذكر اسم الملك زاكور
الملك زاكور كان ابن الملك شانيب، الذي ورد اسمه أيضاً في نفس النقش الموجود على تمثال عمان. كما ذكر في السجلات الأشورية التي وثقت تاريخ المنطقة. ويُعتقد أن الملك زاكور هو حفيد الملك يرح عزر، الذي كان يشغل دوراً مهماً في تاريخ عمون القديم
الملك الأردني يرح عزر
ورد اسم الملك الأردني العموني “يرح عزر” في نقش تمثال عمان، حيث تم ذكره إلى جانب اسم والده الملك زاكور، وكذلك اسم جده الملك شانيب. يشير هذا النقش إلى ارتباط الأسرة المالكة في الأردن القديم بتاريخ طويل ومعقد، يعكس التنقلات السياسية والتقاليد الملكية التي حكمت مملكة عمون. يُظهر هذا النقش أهمية عمان في تلك الحقبة، حيث كانت مركزًا ثقافيًا وتجاريًا هامًا في المنطقة
الملك الأردني يرح عزر - متحف الآثار الأردني
يظهر تمثال الملك العموني يرح عازر في وضعية مهيبة، مرتديًا العباءة الملكية التي تعكس مكانته السامية. يحمل في يده اليسرى شعار زهرة اللوتس إلى جانب السوار الملكي، رمزًا للسلطة والهيبة. أما يده اليمنى فتبدو ممتدة نحو الجانب الأيمن ومقبوضة، في إشارة إلى حركة عسكرية تنبض بالعنفوان والجدية، مما يعكس القوة والروح القيادية التي تميزت بها شخصيته
الملك الأردني يرح عزر و تماثيل عمونية - متحف الآثار الأردني
الملك الأردني عمي ندب الثاني
رد اسم الملك عمي ندب في نقش قارورة تل سيران مرتان، حيث كتب في نقش تل سيران، “أعمال عمي ندب، ملك بني عمون، بن هصال ايل، ملك بني عمون، بن عمي ندب ملك بني عمون…”، ويستدل من هذا النقش وبعد تحليل المدد الزمنية، أن عمي ندب الجد الذي ورد اسمه في القارورة هو ذاته الملك عمي ندب الذي ورد اسمه في السجلات الأشورية سابقاً، وأن الملك عمي ندب الحفيد يصبح بذلك الملك عمي ندب الثاني
الملك الأردني هصال إيل
ورد اسم الملك الأردني العموني هصال إيل أيضا في نقش قارورة تل سيران، إلى جانب اسم أبيه وابنه الملوك الأردنيين العمونيين، عمي ندب الأول وعمي ندب الثاني
المراجع
أبحاث إرث الأردن, المملكة الأردنية العمونية – الملوك وانجازاتهم
د. أحمد عويدي العبادي, التاريخ السياسي للممالك الأردنية القديمة
تمثال مسرح عمان وعبادة الأسلاف الملكيين الأمونيين ,Joel S. Burnett and Romel Gharib
Head of an Ammonite God from Amman Citadel, Worldhistory
Ammonite Kings and Gods in Stone ,Acorjordan
The Amman Theatre Statue and the Ammonite Royal Ancestor Cult ,Asor
عمونيون ,Wikipedia