عين غزال، جزء: ٦ – تماثيل عين غزال
في قلب منطقة عين غزال، تبدأ حكاية من أقدم قصص الاستيطان البشري، حيث اكتُشفت آثار تعود إلى العصور الحجرية تحمل دلائل على تطور الإنسان المبكر. من التماثيل الجصية الفريدة إلى طقوس الدفن المعقدة، تكشف هذه الاكتشافات عن حياة مليئة بالإبداع والتنظيم. إنها شهادة حية على ريادة الإنسان القديم في النحت والتخطيط الحضري منذ آلاف السنين
بدأت قصة الاستيطان البشري في منطقة عين غزال في العصور الحجرية، حيث اكتشف العلماء العديد من الآثار التي تقدم أدلة على النشاط البشري المبكر. ومن أبرز هذه الاكتشافات التماثيل التي تعد من الأقدم في العالم، والتي تشهد على مهارة الإنسان القديم في النحت والتعبير الفني. ومع ذلك، لم تكن هذه التماثيل هي الأثر الوحيد الذي تم العثور عليه في عين غزال، بل رافقها اكتشافات أخرى غنية تنتمي إلى نفس العصور، مثل المدافن التي تعكس طقوس دفن الأموات، والمنازل التي تم استخدامها كمساكن، بالإضافة إلى الحلي والأدوات التي كان يستخدمها الإنسان في حياته اليومية. هذه الاكتشافات تعكس نمط حياة الإنسان القديم وتسلط الضوء على التطور في مراحل مبكرة من التاريخ البشري
أهم الإكتشافات
من بين أبرز الاكتشافات الأثرية التي تم العثور عليها في موقع عين غزال، تبرز المقابر التقليدية التي تضم تماثيل مصنوعة من الجص الليموني (البلاستر)، والتي يصل ارتفاعها إلى حوالي ١٫٣ متر. تشكل هذه التماثيل دليلاً مهماً على الطقوس الجنائزية التي كانت تمارس، كما تمثل تجسيداً للفنون و الطقوس الجنائزية التي كانت كانت تمارس في تلك الفترة. تعتبر هذه الاكتشافات من أروع الشواهد على مدى تطور المجتمع في تلك العصور
تعتبر قرية بسطة الأثرية من المواقع البارزة التي تعود إلى الحقبة نفسها، حيث تقع بالقرب من معان في جنوب الأردن. كما تبرز منطقة البيضاء التي تقع إلى الجنوب من مدينة البتراء، وكذلك وادي شعيب في مدينة السلط، الذي يمتد ليطل على وادي الأردن والبحر الميت. هذه المواقع تشهد على الحضارات القديمة التي ازدهرت في المنطقة. ومن بين أهم المستوطنات التي تعود إلى العصر الحجري الحديث، تبرز منطقة نهر الأردن، التي تعتبر من أبرز المعالم التاريخية التي توثق تطور الإنسان في تلك الحقبة الزمنية
تشير الاكتشافات الأثرية إلى تنوع طرق الدفن في المستوطنة القديمة، حيث كانت تختلف وفقًا لأهمية الشخص المدفون. وهذا يوحي بوجود بنية اجتماعية طبقية قد تكون قد أثرت على طقوس الدفن. ومع ذلك، تبقى هذه الفرضية غير مؤكدة تمامًا، إذ أظهرت الدراسات أن الأساليب نفسها كانت تُستخدم لدفن الكبار والصغار، الذكور والإناث، مما يفتح الباب لتفسير مختلف حول الممارسات الجنائزية. ويبدو أن أنماط الدفن تأثرت بالعوامل الزمنية، حيث استمر الاستيطان في هذه المنطقة نحو ألفي عام، وهو ما توازى مع تغييرات في أساليب البناء والطقوس الاجتماعية خلال فترات مختلفة من تاريخ الاستيطان
تماثيل عين غزال
تعد تماثيل عين غزال أحد أقدم التماثيل التي صنعها الإنسان، أي إلى ٩ آلاف عام قبل الميلاد، مما يجعلها ذات أهمية تاريخية كبيرة، باعتبارها دليلا على استيطان الإنسان للمنطقة منذ عصور ما قبل التاريخ. ويرى فيها الكثير من التشكيليين بدايةً لانطلاقة الفن التشكيلي المتكئ على خيال الإنسان ورؤاه الجمالية والروحية للعالم المحيط
تماثيل برأسين وبلا أرجل وفقا لوسائل إعلام أردنية، يبلغ عدد التماثيل التي تم اكتشافها ٣٦ تمثالا، كان لها أثر كبير في لفت الانتباه وجذب الاهتمام إلى موقع عين غزال، لا سيما أن هذه المجموعة من التماثيل ذات أهمية خاصه، نظرا لأهمية الأفكار والمضامين المرتبطة بها وبصفاتها الشكلية، وطريقة حفظها ونحتها. وعندما عثر على هذه التماثيل كانت متأثرة بالاهتزازات والأوزان الثقيلة التي كانت قد عملت في الموقع أثناء عملية شق الطريق، ما أدى إلى تهشم نواة التماثيل المكونة من سيقان نباتي الحلفا والقصب، والتي كانت تشكل الهيكل الداخلي للتماثيل، ونتيجة لذلك تشققت القشرة السطحية الجبسية للتماثيل بشكل كبير جدا
الصورة على السطر العلوي، على اليسار: رأس تمثال بشري من عين غزال، عمان، متحف الأردن, الصورة: أسامة أمين (جلاسجو)
ALFGRN: الصورة على السطر العلوي، في المنتصف: , تمثال عين غزال من متحف اللوفر, الصورة
الصورة على السطر العلوي، على اليمين: صورة مقربة لتمثال برأسين من عين غزال، متحف الأردن, الصورة: أسامة أمين (جلاسجو)
الصورة على السطر السفلي، في المنتصف: رأس التمثال الكبير- عين غزال، حوالي ٦٥٠٠ قبل الميلاد, الصورة: هاوبت وبيندر
الصورة على السطر السفلي، على اليمين: تم اكتشاف القناع الموضح هنا، والذي يحتوي على أصداف مطعمة كعيون، بواسطة جون جارستونج أثناء أعمال التنقيب الفترة من ١٩٣٠ إلى ١٩٣٦. وبعد إزالة الجمجمة من هيكلها العظمي، تم تغطيتها بقناع من الجبس، والذي تم رسمه لاحقًا بملامح الوجه باستخدام البيتومين والأصباغ الأخرى. ربما تم عرض هذه الجماجم الشخصية في المنزل أو في ضريح حتى يتمكن أفراد الأسرة من استشارتها في وقت فراغهم, الصورة: اريك ليسينج
وخلال الكشف عن محتويات هذه الكتل تبين أنها تضم عددا من التماثيل البشرية الجبسية الكاملة والنصفية، واللافت أن بعض هذه التماثيل برأسين وبلا أرجل. ولحق بالتماثيل ضرر كبير أدى إلى تحطيم الفراغ الداخلي الناشئ عن المواد العضوية النباتية المكونة للهيكل الداخلي للتماثيل، إذ امتلأت التماثيل بالطين الذي يحوي نسبة عالية من الجبس، الذي كان بالأصل متداخلا مع المحيط غير المنتظم للنواه العضوية النباتية المنشأ، وعندما انضغطت التماثيل إلى الأسفل نتيجة الأحمال الثقيلة على الأرض فوقها، تناثر الجبس أو اتخذ شكلا جديدا من خلال تشكيل عشرات من شبكات التصدع الناعمة في جسم التماثيل
تم العثور في موقع عين غزال على ثلاثة أقنعة جصية تمثل وجوهًا آدمية، تعود إلى نفس الفترة التي أُنتِجت فيها التماثيل الآدمية الموجودة في الموقع ذاته. ورغم مرور الوقت، لا يزال من غير المعروف بشكل دقيق الغرض من هذه الأقنعة، ولكن يُحتمل أن تكون تمثل نسخًا لوجوه أشخاص متوفين، ربما تم إعدادها في سياق طقوس دينية أو اجتماعية
تعد التماثيل عين غزال من أقدم التماثيل البشرية الضخمة المعروفة في العالم
الصورة على السطر العلوي على اليسار: تمثال برأسين وجسم بلا شكل، يعود تاريخه إلى حوالي ٦٥٠٠ قبل الميلاد
الصورة على السطر العلوي في المنتصف: صورة لأحد التماثيل البشرية التي تم العثور عليها في منطقة عين غزال، في العاصمة الأردنية عمان، توضح الصورة الطريقة القديمة المتبعة في عملية تشكيل التماثيل، حيث يعتبر التمثال الذي في الصورة تمثال ذو رأس واحد، عريض وقصير القامة، ذو أطراف سفلية
الصورة على السطر العلوي في المنتصف: تمثال عين غزال – نصفي كبير برأسين، حوالي ٦٥٠٠ قبل الميلاد, الصورة: هاوبت وبيندر
الصورة على السطر الأوسط على اليمين: تمثال بشري من عين غزال، المتحف الأردني، عمان، الصورة: أسامة أمين (جلاسكو)
الصورة على السطر الأوسط في الوسط: هذا التمثال (الجزء العلوي من الجذع) مصنوع من الجص الجيري والقصب والأسفلت وقد عثر عليه في عين غزال, مصنوعة من الجص الجيري والقصب في مخبأين تحت الأرض. تعتبر هذه التماثيل والتماثيل النصفية (التي تصور رؤوسًا بشرية) أقدم التمثيلات واسعة النطاق للشكل البشري وهي واحدة من أبرز الأمثلة على الفن ما قبل التاريخ من فترة العصر الحجري الحديث ما قبل الفخار ب
الصورة على السطر الأوسط على اليمين: تمثال عين غزال (نوح)، المتحف البريطاني، الصورة: أسامة أمين (جلاسكو)
الصورة على السطر السفلي على اليسار: تمثال عين غزال (ميخا) المتحف البريطاني، الصورة: أسامة أمين (جلاسكو)
الصورة على السطر السفلي في المنتصف: تمثال عين غزال عمره ٩٠٠٠ عام, يعد هذا التمثال أقدم الأعمال المعروضة في متحف اللوفر، ويرجع تاريخه إلى حوالي ٧٠٠٠ قبل الميلاد, مالكه الشرعي هو دائرة الآثار الأردنية، ولكنه معار إلى متحف اللوفر لفترة طويلة، وبالتالي يتم عرضه مع المجموعات الدائمة. ورغم أن معناه لا يزال لغزًا إلى حد ما، إلا أننا نعلم أن التمثال كان يرتدي ذات يوم شعرًا مستعارًا مصنوعًا من مادة نباتية وكان يرتدي ملابس مطلية، والتي تلاشى لونها منذ فترة طويلة
الصورة على السطر السفلي على اليمين: هذا التمثال ذو الرأسين (الجذع العلوي) مصنوع من الجص الجيري والقصب والأسفلت وقد عثر عليه في مدينة عين غزال الحديثة عمّان، الأردن, تمثالاً نصفيًا مصنوعة من الجص الجيري والقصب في مخبأ تحت الأرض. تعتبر هذه التماثيل والتماثيل النصفية (التي تصور رؤوسًا بشرية) أقدم التمثيلات واسعة النطاق للشكل البشري وهي واحدة من أبرز الأمثلة على الفن ما قبل التاريخ من فترة العصر الحجري الحديث ما قبل الفخار ب
وفي محاولة للحفاظ على هذه القطع القيمة، تم ترميم تماثيل عين غزال في المملكة المتحدة، حيث أعيد ترميمها بشكل دقيق للحفاظ على تفاصيلها الأصلية. على مدى ثلاثة عقود، كانت هذه التماثيل تُعرض في المتحف الوطني بجبل القلعة في عمان، قبل أن يتم نقل جزء منها إلى متحف الأردن في رأس العين، حيث جُهزت قاعة خاصة وفق أحدث التقنيات العالمية لضمان الحفاظ على هذه الآثار ومنع تعرضها لأي تدهور
وفي إطار التعاون الثقافي بين دائرة الآثار الأردنية ومتحف اللوفر الفرنسي، يعرض الآن في المتحف تمثالان من المجموعة، مما يسهم في تسليط الضوء على القيمة التاريخية والفنية لهذه الآثار التي تُمثل جزءًا من التراث الثقافي العريق لمنطقة عين غزال
المراجع
Taylor & Francis, Using Phytolith, Geochemical and Ethnographic Analysis to Inform on Site Construction and Activities in the Neolithic of Southwest Asia: Case Studies from Wadi Faynan 16 and ‘Ain Ghazal, Jordan, 17 Aug 2023
دائرة الأثار العامة، Excavations at Neolithic Ayn Ghazal, 1993- 1994 , Ziedan Kafafi and Gary Rollefson
Biblical Archaeology, Invoking the Spirit, Prehistoric religion at Ain Ghazal
Universes in universe, Ain Ghazal statues
Research Gate, Ain ghazal
Cambridge University Press, ’Ain Ghazal, Jordan
World History, Plastered Face of a Human Skull from Ain Ghazal
Wikipedia, Ayn Ghazal statues
محاضرة للدكتور محمد وهيب, الأردن في عيون العالم: أثريًا وسياحيًا بمناسبة مئوية الدولة
أبو غنيمة، خالد محمود 2009؛ معجم مصطلحات ما قبل التاريخ. جامعة اليرموك : اربد – الأردن
طلفاح، جعفر أحمد 1997، ارضيات القصارة في عمارة عين غزال خلال العصر الحجري الحديث.دراسة تحليلية مقارنة. رسالة جامعية مقدمة لمعهد الآثار والانثروبولوجيا في جامعة اليرموك، اربد – اليرموك
كراسنة، وجيه 1989 ؛ الأدوات العظمية المصنعة في مواقع عين غزال وبسطة ووادي شعيب في المرحلة «ب» من العصر الحجري الحديث ماقبل الفخاري (دراسة تحليلية). رسالة جامعية مقدمة لمعهد الآثار والانثروبولوجيا. جامعة اليرموك – اربد
كفافي، زيدان عبد الكافي 1990، الأردن في العصور الحجرية، الأردن : لجنة تاريخ الأردن
كفافي، زيدان 2005 ؛ أصل الحضارات الأولى، الرياض : دار القوافل للنشر والتوزيع
النمري، غسان 2002 ؛ عمان في العصر الحجري الحديث. تحليل بنائي لمنحوتات عين غزال، عمان : أمانة عمان الكبرى
النهار، ميسون 1993 ؛ الحلي في موقعي عين غزال وادي الشعيب في العصر الحجري الحديث. دراسة تصنيفية، تحليلية، مقارنة. رسالة جامعية مقدمة لمعهد الآثار والانثروبولوجيا. جامعة اليرموك – اربد
Banning ,E.B From out Left Field Excavation in the South Field ,Ain Ghazal، Modesty and Patience، ed hans george Kafafi، Gebel* and al – ghual ,Yarmouk university، IRbid ,2009
Rollefson، G, and Leanard ,A. 1982.`Excavations at PPNB ” Ain Ghazal, ADAJ26
Rollefson، G, and simmons ,A.H.1984.`The 1983 Season at “Ain Ghazal ” Preliminary Report. ADAJ 28 : 20
Rollefson، G, and simmons ,A.H.1986.`The 1985 Season at “Ain Ghazal ” Preliminary Report. ADAJ 30
Rollefson، G,kafafi ,z; and simmons ,A.H.1989.`The 1989 Season at “Ain Ghazal ” Aperliminary Report. ADAJ 33
Rollefson ,G. 1992 Neolithic Game Board From ” Ain Ghazal ” Jordan. BASOR 286. 1-5