الاموريون

يعتبر الأموريون من الشعوب القديمة المؤثرة في تاريخ الأردن والمنطقة المحيطة، فقد كانوا جيراناً لمملكة مؤاب الأردنية وكانت لهم عاصمة في حسبان. عُرفوا بحياتهم البدوية القاسية قبل أن يتحولوا إلى الاستقرار وتأسيس مجتمعات ومدن. تشير النصوص القديمة إلى امتدادهم ونفوذهم في مناطق عديدة، حيث تفاعلوا مع حضارات بلاد الرافدين وسوريا، وكان لهم دور في التجارة وتطوير الحياة المدنية، ما جعلهم جزءاً لا يتجزأ من تاريخ المنطقة القديم

لوحة نيكولا بوسين – انتصار يشوع على الأموريين


الاموريون وعلاقتهم  بمملكة مؤاب الأردنية

الأموريون، أو العموريون كما عُرفوا في بعض النصوص القديمة، كانوا إحدى القبائل البارزة في تاريخ الأردن القديم، ويعتبرون من القبائل الثمودية التي استوطنت الأردن. كانت لهم عاصمة قوية في حسبان، وارتبطوا بعلاقات متوترة مع مملكة مؤاب المجاورة، حيث خاضوا مع المؤابيين صراعات وحروباً أدت إلى سيطرتهم على أجزاء من أراضي المملكة

تشير المصادر المسمارية، التي تعود إلى نهاية الألف الثالث قبل الميلاد، إلى بداية انتشار الأموريين على شكل موجات هجرة كبيرة انطلقت من البادية العربية. وبمرور الزمن، تمددوا نحو بلاد الشام وبلاد ما بين النهرين، مما جعلهم من الشعوب ذات الانتشار الواسع في المنطقة. وقد بلغت موجات هجرتهم وتأثيرهم مناطق متعددة شملت بلاد الرافدين والأردن وحتى الأناضول

في العصور القديمة، شهدت منطقة الأردن انتقالًا هامًا لبعض القبائل الأمورية من حياة البداوة والترحال إلى الاستقرار وتأسيس كيان حضري، تمركز هؤلاء المستقرون في مدينة “حشبون” (المعروفة اليوم بـ”حسبان”)، التي تقع شمال مدينة مادبا وجنوب العاصمة عمان. ومع مرور الزمن، ونتيجة لانفصالهم عن القبائل الأمورية الأخرى لعدة قرون، نشأت لهم هوية محلية مميزة جعلتهم جزءًا لا يتجزأ من التركيبة السكانية والثقافية لمنطقة الأردن. وقد استمر وجودهم وتطورهم الحضاري في هذه المنطقة إلى أن انتهى وجودهم بفعل التحولات السياسية والصراعات مع القوى الإسرائيلية، التي استولت لاحقًا على المنطقة، كما وردت تفاصيل ذلك في العديد من السجلات التاريخية

في النصوص السومرية القديمة، ورد ذكر الأموريين تحت اسم “مارتو”، وهو مصطلح استخدمه السومريون للإشارة إلى هذه القبائل البدوية القادمة من الغرب. ومع ظهور الدولة الأكادية في بلاد الرافدين، تغير الاسم إلى “أمورو”، والذي يشير إلى الجهة الغربية، حيث اشتق منه معنى “الغربيون”. كان هذا اللقب يعبّر عن انتشار الأموريين واستقرارهم في المناطق الواقعة غرب بلاد الرافدين، وتحديداً في المناطق الأردنية التي عُرفت تاريخياً بالديار الثمودية، حيث كانت تلك القبائل تستقر وتعيش على حدود بلاد الرافدين من جهة الغرب

يعود أول ذكر للأموريين إلى المدونات القديمة من الألف الثالث قبل الميلاد، حيث كان حضورهم يتزايد بشكل ملحوظ، مما شكل تهديدًا واضحًا لممالك بلاد بابل. ونتيجة لذلك، أمر الملك شوسين، الذي كان رابع ملوك سلالة أور الثالثة وحاكمًا لبلاد سومر وأكد، ببناء سور دفاعي لحماية بلاده من هجمات الأموريين. تولى شوسين الحكم بعد أخيه الأكبر أمار سين، وفي فترة حكمه كثرت الثورات الأمورية واستطاعوا إحراز استقلالهم في بعض المدن، الأمر الذي أشعل الصراعات بين مملكة أور والقبائل الأمورية حتى وفاته. خلفه ابنه أبي سين، الذي استمر حكمه ثماني سنوات من ١٩٧٢ إلى ١٩٦٤ ق.م، في محاولة لاحتواء التحديات التي شكلتها هذه القبائل المتنامية في نفوذها

كان الأموريون، في نظر سكان بلاد ما بين النهرين، قومًا بدويين يميلون إلى حياة التنقل وعدم الاستقرار، ويمتازون بشدة الطبع والخشونة. وقد جاءت أوصافهم في أسطورة سومرية قديمة تحدثت عن الإله “مارتو” الذي كان يُعتقد بأنه يمثل الأموريين؛ فوُصف بأنه رفيق السلاح، يرفض الركوع أو الخضوع لأحد، ويعيش حياة بسيطة غير مستقرة، يأكل فيها اللحم نيئًا، ولا يملك بيتًا، بل يقضي حياته متنقلًا في الخيام، ولا يُدفن عند موته في قبر

وقد تميز الأموريون بأسماء خاصة ميزتهم عن غيرهم، مما ساعد العلماء على افتراض وجود لغة أمورية مميزة. كما أن المؤرخين العرب لاحقًا أطلقوا عليهم اسم “العماليق” بناءً على ما ورد في التناخ، الكتاب المقدس اليهودي، كإشارة إلى أصلهم القديم والمميز في تاريخ المنطقة

ووصف الأموريون في التوراة بأنهم أقوياء عظماء القامة «كمثل ارتفاع أغصان الأرز، وأنهم احتلوا أرض شرق وغرب الأردن، مملكتهم توصف بأنها أخر مماليك العماليق المتبقية» (سفر التثنية_3:11)

دور الأموريين في ممالك بلاد الرافدين والشام

تشير النصوص الآشورية القديمة المكتشفة في كاروم-كانيش (تل الرماد) في الأناضول، والتي تعود إلى القرن التاسع عشر قبل الميلاد، إلى وجود صلات تجارية بين الأموريين والقوافل الآشورية، مما يعكس تواصلهم وتفاعلهم الاقتصادي مع الحضارات المجاورة. كما تظهر وثائق مملكة إبلا السورية، التي ازدهرت في القرن الرابع والعشرين قبل الميلاد، إشارات واضحة إلى الأموريين، مما يبرز دورهم المؤثر في المنطقة آنذاك. ويواصل ذكر الأموريين في كتابات عصر سلالة أور الثالثة في القرن الحادي والعشرين قبل الميلاد، إلى جانب وثائق مملكة ماري العائدة إلى القرنين التاسع عشر والثامن عشر قبل الميلاد، مما يوضح استمرارية حضورهم ونفوذهم في بلاد الرافدين وبلاد الشام عبر العصور المختلفة

الصورة على اليمين: ألواح طينية عليها نصوص بالكتابة المسمارية - متحف اللوفر، باريس
الصورة  على اليسار: قطع أثرية من بقايا مملكة ماري الأمورية - متحف اللوفر، باريس

في منتصف الألفية الثالثة قبل الميلاد، كانت مدينة إبلا السورية الأثرية حاضرة مزدهرة ومملكة عظيمة في شمال غرب سوريا. اشتهرت إبلا بقوتها ونفوذها الذي امتد ليشمل مناطق واسعة، إذ بسطت سيطرتها بين هضبة الأناضول شمالاً وشبه جزيرة سيناء جنوباً، ووصلت حدودها شرقاً إلى وادي الفرات وغرباً إلى ساحل البحر المتوسط. وقد أسست إبلا شبكة علاقات تجارية ودبلوماسية واسعة، شملت العديد من الممالك المحيطة، لا سيما الممالك الأردنية والسورية، إلى جانب مصر وبلاد الرافدين

تعود السجلات الملكية لمدينة إبلا إلى منتصف الألفية الثالثة قبل الميلاد، حيث تضمنت نصوصاً كتبت بخط مسماري فريد بلغة غير مألوفة آنذاك، والتي أصبحت تُعرف لاحقاً باسم “لغة إبلا”. هذه اللغة الجديدة انتشرت منذ نحو خمسة آلاف عام، لتصبح جزءًا من التواصل الحضاري في المنطقة. يظهر اسم مملكة إبلا لأول مرة في السجلات المعروفة للعهد الأكدي، حيث أشار الملك سرجون الأكدي إلى إبلا في نصوصه. وفي عهد حفيده، الملك نارام سين ( ٢٢٥٩-٢٢٢٣ ق.م.)، سجّل الأخير انتصاراته وافتخاره بقدرته على إخضاع أرمان وإبلا، إضافة إلى السيطرة على كامل الأراضي الممتدة حتى جبال الأمانوس وساحل البحر

تشير النصوص التاريخية من الطبقة السابعة في مدينة ألالاخ إلى نشاط تجاري وتبادل بشري بين الأموريين وسكان ألالاخ، حيث تشير الوثائق إلى قدوم أشخاص وتجار من “أمورو” إلى هذه المدينة. ووردت أيضًا معلومات هامة عن الأموريين في رسائل تل العمارنة، والتي تعود إلى القرن الرابع عشر قبل الميلاد. تقع ألالاخ، والتي تُعرف اليوم بتل العطشانة، على ضفاف نهر العاصي الأسفل بالقرب من مدينة أنطاكية في منطقة سهل العمق، حيث كانت تشكل عاصمة لمملكة موكيش خلال العصر البرونزي (٣٣٠٠-١٢٠٠ ق.م.) والعصر الحديدي (١٢٠٠-٥٣٩ ق.م.)

وتجدر الإشارة إلى أن التنقيب الأثري في الموقع أزال الستار عن تمثال للملك إدريمي، الذي حكم مملكة ألالاخ لمدة تقارب ثلاثين عامًا في حدود عام ١٥٠٠ ق.م. واهتم الملك إدريمي بتوثيق سيرته الذاتية، فأمر بنقشها على تمثاله، الذي وُجد مكسورًا في معبد المدينة في عام ١٩٣٩. يظهر التمثال الملك إدريمي جالسًا على عرشه، متخذًا هيئة الشيخ الكبير، وقد ترك من خلاله نظرة تاريخية مهمة عن حياته وحكمه ومكانة ألالاخ كمركز سياسي وثقافي في تلك الحقبة

يُصور الرجل الأموري الثمودي الأردني في النصوص السومرية والأكادية بشكلٍ يبرز طبيعته القاسية والمتحفظة. كان يعيش في خيمة بدوية لا تقيه من الرياح والمطر، ويتنقل بين سفوح الجبال بحثًا عن الكمأة. عُرف بعدم زراعته للأرض، مما قد يشير إلى طبيعته الرفضة للتسوية أو الاستقرار، حيث لم يكن يثني ركبتيه للعمل في الأرض، ما يعكس تمسكه بأسلوب حياة بدويٍ خالص. كانت طعامه غالبًا نيئة، لا يمتلك منزلًا ثابتًا، ولا يُدفن في قبر عند وفاته. بالنسبة لسكان بلاد الرافدين، كان الأموريون يعدون غرباء لا يعرفون الزراعة أو بناء المدن، وكانوا يتركون انطباعًا عن قساوة الطباع والتصرفات، إذ عاشوا في الجبال لرعاية أغنامهم وضأنهم. كان يتمتع بقوة كبيرة، مثل تلك التي تحركها الرياح الجنوبية، ويُنظر إليه كعضو في فئة من المحاربين المغيرين الذين يتصرفون بعنف وبدائية، كما تصفهم النصوص مثل الذئاب الجائعة

تأثير الأموريين التجاري والثقافي في الشرق الأدنى

تشير العديد من النصوص التاريخية التي تم اكتشافها في مواقع أثرية مختلفة إلى الدور البارز الذي لعبه الأموريون في المنطقة خلال العصور القديمة. ففي الأناضول، تم العثور على نصوص آشورية قديمة في موقع كاروم – كانيش (تل الرماد)، تعود إلى القرن التاسع عشر قبل الميلاد، تكشف عن ارتباط الأموريين بالقوافل الآشورية، ما يعكس تأثيرهم الكبير في حركة التجارة والتبادل الثقافي. كما تم ذكر الأموريين في وثائق مملكة إبلا السورية التي تعود إلى القرن الرابع والعشرين قبل الميلاد، وكذلك في كتابات عصر سلالة أور الثالثة في القرن الحادي والعشرين قبل الميلاد، مما يبرز مدى امتداد نفوذهم وتأثيرهم على بلاد ما بين النهرين. بالإضافة إلى ذلك، تشير وثائق مملكة ماري التي تعود إلى القرنين التاسع عشر والثامن عشر قبل الميلاد إلى تفاعل الأموريين مع ممالك المنطقة. كما تذكر نصوص الطبقة السابعة من ألالاخ، المدينة القديمة التي كانت تقع في سوريا، توافد أشخاص وتجار من قبيلة أمورو إلى هذه المدينة، ما يعكس حركة الأموريين التجارية وتبادلهم الثقافي مع الممالك المجاورة. علاوة على ذلك، تحتوي رسائل تل العمارنة من القرن الرابع عشر قبل الميلاد على معلومات إضافية عن الأموريين وعلاقاتهم مع الدول الأخرى في تلك الحقبة

ألالاخ، المعروفة في العصر الحديث بتل العطشانة، كانت عاصمة مملكة موكيش في فترات تاريخية هامة من العصر البرونزي (٣٣٠٠-١٢٠٠ ق.م) والعصر الحديدي (١٢٠٠-٥٣٩ ق.م). تقع هذه المدينة القديمة في سهل العمق بالقرب من مجرى نهر العاصي الأدنى، على مقربة من مدينة أنطاكية الحالية. تعد ألالاخ من المواقع الأثرية البارزة التي تسلط الضوء على تاريخ الممالك السورية القديمة، وقد عُرفت من خلال تمثال الملك إدريميّ الذي حكم مملكة موكيش في حوالي عام 1500 ق.م. قام الملك إدريميّ بتوثيق سيرته الذاتية على تمثاله الذي عُثر عليه في معبد المدينة عام 1939م، حيث يظهر التمثال الملكي جالسًا على عرشه في صورة رجل مسن، مما يعكس فترة حكمه الطويلة التي دامت نحو ثلاثين عامًا

كانت مدينة ألالاخ تمتاز بعلاقات تجارية ودبلوماسية قوية مع العديد من الممالك الأردنية المجاورة، مثل ممالك باشان وعمون ومؤاب وأدوم وبلعام. كما كانت على اتصال تجاري مع ممالك الوادي المالح، التي اشتهرت لاحقًا بأنها ممالك قوم لوط. وفقًا للتراث الديني، يُذكر أن الله أرسل نبيًا إلى هذه المدينة بسبب فساد أهلها، وهو حدث وقع قبل زمن النبي لوط بآلاف السنين

إيبلا هي مدينة سورية قديمة تعد واحدة من أبرز الحضارات التي ازدهرت في شمال غرب سوريا خلال منتصف الألف الثالث قبل الميلاد. كانت إيبلا مملكة قوية بسطت نفوذها على مناطق شاسعة امتدت من هضبة الأناضول في الشمال، وصولاً إلى شبه جزيرة سيناء في الجنوب، ومن وادي الفرات في الشرق، إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط في الغرب. تمكنت إيبلا من إقامة شبكة واسعة من العلاقات التجارية والدبلوماسية مع العديد من الدول والممالك في المنطقة، بما في ذلك الممالك السورية والأردنية، ومصر، وبلاد الرافدين.

أثناء التنقيب في موقع تل مرديخ بالقرب من بلدة سراقب في محافظة إدلب، وعلى بعد حوالي ٥٥ كيلومترًا جنوب غرب مدينة حلب، قامت بعثة أثرية إيطالية من جامعة روما بقيادة عالم الآثار باولو ماتييه بالكشف عن العديد من الوثائق والمكتشفات التي تسلط الضوء على هذه العلاقات الواسعة التي كانت تتمتع بها إيبلا مع جيرانها

تشير النصوص الأثرية التي تم اكتشافها في مدينة إبلا السورية إلى أن الأموريين كانوا يشكلون جزءًا حيويًا من سكان المملكة الإبلية. في أواخر القرن الثالث والعشرين قبل الميلاد، بدأت قبائل الأموريين تتحرك بكثافة نحو الشرق، مما أدى إلى تشكيل تهديد كبير للدولة الأكادية. هذه التحركات دفعت الملوك الأكديين إلى اتخاذ خطوات حاسمة لمواجهة هذا الخطر المتزايد. ففي الحوليات الملكية للملك “شَرْكَلّي شَرّي” (الذي حكم بين عامي ٢٢٢٢ و٢١٩٨ ق.م)، تم تسجيل انتصاره على الأموريين، حيث هزمهم في معركة جبل بشر

من جهة أخرى، أشار الملك “غوديا” (٢١٤٣-٢١٢٤ ق.م) من مدينة لغش (تلّو حاليًا) في نقوشه إلى أنه قام بحملة إلى أراضي الأموريين، حيث جلب منهم خبرات في التجارة، كونهم كانوا يسيطرون على طرق السفر والقوافل التجارية التي تربط بين بلاد ما بين النهرين وآسيا الصغرى. علاوة على ذلك، برع الأموريون في تربية واستخدام الحيوانات، وهو ما أكدته المصادر المسمارية المكتشفة، مما يعكس أهمية دورهم في النشاط الاقتصادي والتجاري في المنطقة

من حياة البداوة إلى استقرار حضاري وتأثيرهم في تطور المجتمعات القديمة

في بداية تاريخهم، كان الأموريون يعتمدون بشكل رئيسي على تربية الأغنام، حيث كانت حياتهم مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بحيواناتهم التي كانت توفر لهم اللبن والصوف والجلود. وقد عُرف بعضهم بمرافقة القوافل العابرة للصحراء، حيث استفادوا من معرفتهم الواسعة بطرق الصحراء وآبارها ومواردها المائية. ومع مرور الوقت، ومع بداية استقرارهم في المناطق القريبة من الأنهار، بدأت حياتهم تأخذ منحى مختلفًا. فقد تحولوا تدريجيًا من نمط الحياة البدوية إلى الاستقرار الزراعي. أسسوا مساكن دائمة وأقاموا تجمعات سكنية جديدة على ضفاف الأنهار، حيث بدأوا في ممارسة الزراعة وتطوير الأرض. بالإضافة إلى الزراعة، بدأ الأموريون في ممارسة حرف وصناعات متنوعة، ما أسهم في تنوع مصادر رزقهم، فإلى جانب تربية المواشي والتجارة، أصبحت الزراعة مصدرًا اقتصاديًا مهمًا في حياتهم

أسس الأموريون حضارتهم في المناطق التي استقروا فيها، حيث قاموا بتطوير مجتمعات ذات بنية اجتماعية منظمة أثرت بشكل كبير على الحضارات المجاورة. فقد كانوا في تفاعل مستمر مع محيطهم، فتأثروا بالحضارات المجاورة كما تركوا بصماتهم عليها. في مجتمعاتهم، كان لكل قبيلة شيخ يتولى مسؤولية شؤون القبيلة المختلفة، ويعتمد في إدارة الأمور على التشاور مع مجلس يضم كبار رجال القبيلة ورؤساء العشائر. لم يكن هناك نظام قانوني مكتوب، بل كان تنظيم الحياة يعتمد على الأعراف والتقاليد التي كانت بمثابة قوانين غير رسمية تهدف إلى ضمان حماية الأفراد والمجموعات، وتتناسب مع أسلوب الحياة الذي عاشوه في بيئتهم الصحراوية والزراعية

في العصر البابلي القديم، ظهرت مجموعة من الألقاب والوظائف التي تعكس الاندماج الكامل للأموريين في الحياة السياسية والإدارية لبابل. من أبرز هذه الألقاب كان “مقدم الأموريين”، و”أمير الأموريين”، و”كاتب الأموريين”، بالإضافة إلى “حاكم” أو “والي الأموريين”. وهذه الألقاب تشير إلى دور الأموريين المتزايد في البنية الاجتماعية والإدارية في المناطق التي استقروا فيها، حيث تفاعلوا مع الحضارة البابلية وتبنوا العديد من مظاهرها الثقافية والتنظيمية. كما أن هذه الوظائف تشير إلى تطور مجتمع الأموريين وانتقالهم من الحياة البدوية إلى نمط الحياة المستقرة التي تتطلب هياكل إدارية متقدمة تتناسب مع التحديات الجديدة التي واجهوها بعد استقرارهم في المناطق الزراعية والمدنية

سيطر الأموريون على مناطق شاسعة في الشرق الأوسط، حيث لعبوا دورًا مهمًا في تاريخ المنطقة. وقد أطلق بعض الباحثين على الأموريين تسمية “الكنعانيين الشرقيين” بناءً على أن حضارتهم ازدهرت في المناطق الواقعة شرق سوريا. وبفضل تحركاتهم وتوسعهم، أسس الأموريون العديد من السلالات الحاكمة والممالك في مدن مختلفة، مما ساهم في تشكيل الملامح السياسية والثقافية لتلك الحقبة. أما عن لغتهم، فقد كانت الأمورية جزءًا من مجموعة اللغات الثمودية، مع تباين واضح في اللهجات بين مختلف القبائل والمناطق، تمامًا كما هو الحال في أي لغة حول العالم عبر العصور


مراجع

د . احمد عويدي العبادي, الممالك الأردنية القديمة
الأموريون ,Wikipedia
Joshua’s Victory over the Amorites ,Wikipedia

Previous:
الأردن في عهد الخلافة العباسية، جزء: ٦ – كيف تخلصت العشائر الأردنية من الاضطهاد العباسي
Next:
العماليق الأردنيين، جزء: ١ –  تاريخهم، امتدادهم وتأثيرهم على الحضارات القديمة