المملكة الأردنية الأدومية، جزء: ١ – مقدمة

مملكة أدوم الأردنية من أقدم الممالك العربية الثمودية، نشأت في جنوب الأردن واتخذت من بصيرا عاصمة لها. امتدت حدودها الواسعة عبر البوادي والسهول، وازدهرت بالزراعة والتعدين والتجارة البحرية والبرية. رغم أهميتها التاريخية، لا تزال نشأتها لغزًا بسبب ندرة الحفريات والتشويه في بعض الروايات التاريخية

مملكة أدوم

مملكة أدوم الأردنية (١٢٠٠٠ ق.م – ٥٠٠ ق.م) كانت إحدى الممالك العربية الأردنية الثمودية القديمة، واتخذت من بصيرا في محافظة الطفيلة عاصمةً لها. نشأت هذه المملكة بعد المملكة الأردنية الحورية واستمرت لنحو أربعة آلاف عام

قامت مملكة أدوم على أنقاض المملكة الأردنية الحورية، التي امتدت لأكثر من ثمانية آلاف سنة. وتميزت مملكة أدوم باتساع رقعتها وازدهارها وقوتها، حيث كانت مملكة ذات طابع بحري وقاري في آنٍ واحد، إذ امتلكت أساطيل بحرية ضخمة وفقًا لمقاييس ذلك العصر

برزت مملكة أدوم على مسرح التاريخ خلال عهد ملكها المؤسس حدد بن بدد، الذي كان خصمًا للنبي موسى عليه السلام وأخيه هارون وبني إسرائيل في فترة التيه، كما كان حليفًا للفرعون والسامري

كانت مملكة أدوم غنية بالموارد الطبيعية والخيرات، حيث ازدهرت فيها الزراعة وتربية المواشي، إلى جانب ازدهار الصناعات والتعدين. امتلأت أراضيها بالأشجار المثمرة، والحقول، والكروم، كما انتشرت فيها الغابات والأعشاب. وتميزت بوفرة المياه من الآبار والينابيع والجداول، خاصة نهر الحسا، الذي تدفقت مياهه العذبة، مغذيًا الأراضي وسقيًا للناس والمواشي. كما شكل هذا النهر حاجزًا طبيعيًا يحمي حدود المملكة الشمالية، وكان الحد الفاصل بين مملكتي أدوم جنوبًا ومؤاب شمالًا

(معنى “أدوم” ( الأرض الحمراء / اللون الأحمر

كلمة “أدوم” هي كلمة عربية ذات اشتقاقات متعددة، تتفاوت أحيانًا في معانيها وتتشابه في أحيان أخرى. وتُشتق “أدوم” من “الأدم” و”الأَدِيم”، وهما يشيران إلى الجلد الذي يكسو الجسم البشري أو الحيواني. كما أن “الأَدِيم” تعني أيضًا الطعام “المأْدُوم”، أي الطعام الذي يضاف إليه ما يلينه مثل السمن أو الدهن أو الشراب

دَمة تعني أيضا أرض حمراء، لون أحمر، وهو هنا لون صخور البتراء والسلع، الواقعة جنوب غرب بصيرا، التي كانت العاصمة الأولى للأدوميين

كذلك، يشير “أَدِيمُ كل شيء” إلى ظاهره، و”أَدِيمُ السماء” هو ما يظهر منها، بينما “أَدِيمُ الليل” يشير إلى ظلامه، و”أَدِيمُ النهار” إلى نوره، وأخيرًا، “أَدِيمُ الضحى” يعبر عن بدايته. وفي سياق الأرض، “أَدِيمُ الأرض” يعني وجهها الخارجي

وكان يطلق على إقليم أدوم اسم “أرض سعير”، كما ورد في سفر التكوين ٣٢:٣: ” وَأَرْسَلَ يَعْقُوبُ رُسُلًا قُدَّامَهُ إِلَى عِيسُوَ أَخِيهِ إِلَى أَرْضِ سَعِيرَ بِلاَدِ أَدُومَ”، وهو الاسم ذاته الذي كان يستخدم للإشارة إلى هذه المنطقة باعتبارها موطنًا للحوريين. وهذا يدل على أن الأدوميين نشأوا من الحوريين، وكانوا جزءًا من شعبهم ورعاياهم، كما يشير أيضًا إلى وجود تزاوج بين الشعبين

حدود مملكة أدوم الأردنية

حدود المملكة كانت تبدأ شمالاً عند وادي الحسا، الذي كان يفصلها عن حليفتها مملكة مؤاب الأردنية الثمودية. امتدت مؤاب شمال وادي الحسا وصولاً إلى أطراف ربة عمون الأردنية الثمودية. أما غرباً، فقد وصلت حدود مملكة أدوم إلى البحر الأبيض المتوسط، وشملت حوض وادي عربة، وصحراء سيناء بأكملها، إضافة إلى غزة والنقب وجنوب بلاد كنعان حتى تخوم مدينة الخليل

وكانت المملكة الأدومية، شأنها شأن الممالك الأردنية الأخرى المجاورة، تخترقها ثلاثة طرق رئيسة تمتد من الشمال إلى الجنوب، تبدأ من بلاد حوران شمالًا وتنتهي في العقبة جنوبًا. وهي: طريق الغور، وطريق الجبل (طريق الملوك)، وطريق البادية الشرقية (الطريق السلطاني). ويمكن مقارنة ذلك بما ورد في سفر العدد (عدد ٢٠: ١٧، ١٩) حول الطريق الجبلي

وفي تفسير سفر العدد ٢٠ من التوراة، يذكر القمص أنطونيوس فكري أن طريق الملك كان يعرف باسم “الطريق السلطانية”، وهو غالبًا طريق رئيسي يأمر الملك بشقه عبر أراضي مملكته

فَقَامَ بَلْعَامُ صَبَاحًا وَشَدَّ عَلَى أَتَانِهِ وَانْطَلَقَ مَعَ رُؤَسَاءِ مُوآبَ. فَحَمِيَ غَضَبُ اللهِ لأَنَهُ مُنْطَلِقٌ، وَوَقَفَ مَلاَكُ الرَبِ فِي الطَرِيقِ لِيُقَاوِمَهُ وَهُوَ رَاكِبٌ عَلَى أَتَانِهِ وَغُلاَمَاهُ مَعَهُ. فَأَبْصَرَتِ الأَتَانُ مَلاَكَ الرَبِّ وَاقِفًا فِي الطَرِيقِ وَسَيْفُهُ مَسْلُولٌ فِي يَدِهِ، فَمَالَتِ الأَتَانُ عَنِ الطَرِيقِ وَمَشَتْ فِي الْحَقْلِ. فَضَرَبَ بَلْعَامُ الأَتَانَ لِيَرُدَّهَا إِلَى الطَرِيقِ (عد 22: 21-23)

كما يشير إلى أنه رغم المعاملة السيئة التي لاقاها بنو إسرائيل من أدوم، إلا أن موسى عليه السلام أظهر محبة وتسامحًا معهم، إذ أوصى الشعب بعدم الانتقام من الأدوميين، مستشهدًا بما ورد 

لاَ تَكْرَهْ أَدُومِيًّا لأَنَهُ أَخُوكَ. لاَ تَكْرَهْ مِصْرِيًّا لأَنَكَ كُنْتَ نَزِيلًا فِي أَرْضِهِ (سفر التثنية ٢٣: ٧)

وَأَبَى أَدُومُ أَنْ يَسْمَحَ لِإِسْرَائِيلَ بِالْمُرُورِ فِي تُخُومِهِ، فَتَحَوَلَ إِسْرَائِيلُ عَنْهُ (عدد ٢٠: ٢١)

في الجنوب، تضمنت المملكة خليج أيلة (العقبة) وبحر سوف، المعروف أيضاً بالبحر الأدومي أو البحر الأحمر. أما شرقاً، فقد امتدت أراضيها عبر البوادي الثمودية حتى أطراف الربع الخالي، ومن الشمال الشرقي وصلت حدودها إلى تخوم نهر الفرات

وكما ورد في التوراة فإن أرض أدوم، المعروفة سابقًا بأرض سعير

وَأَرْسَلَ يَعْقُوبُ رُسُلًا قُدَّامَهُ إِلَى عِيسُوَ أَخِيهِ إِلَى أَرْضِ سَعِيرَ بِلاَدِ أَدُومَ (تكوين ٣٢: ٣)

هؤُلاَءِ بَنُو سَعِيرَ الْحُورِيِّ سُكَانُ الأَرْضِ: لُوطَانُ وَشُوبَالُ وَصِبْعُونُ وَعَنَى (تكوين ٣٦: ٢٠)

واشتق اسمها من الأمير سعير الحوري، وهو أحد القادة الثموديين الأردنيين وأول من أسس المملكة الحورية منذ حوالي ١٢٬٠٠٠ سنة قبل الميلاد (أي قبل نحو ١٤٬٠٠٠ سنة من الآن). امتدت أراضي أدوم لتشمل مناطق حوض المنخفض المعروف بوادي العربة، الذي يمتد من البحر الميت وصولًا إلى خليج العقبة

أما قوس، فهو إله وطني أردني ذو أصول حورية، واستمر كإله معبود لدى الأدوميين. أما كلمة “سعير” فتحمل معنيين: الجحيم، وأمير الجحيم

كان نظام الحكم في المملكة الأدومية ملكياً انتخابياً، كما هو الحال في معظم أنظمة الحكم في الممالك الأردنية الثمودية القديمة. ويعد هذا النظام فريداً، حيث يعكس مدى التطور والرقي والنضج السياسي الذي بلغه الأردنيون في العصور القديمة

لا تبدو آثار المملكتين الأردنيتين الثموديتين المتعاقبتين، وهما المملكة الحورية والمملكة الأدومية، واضحة أو موجودة في الديار الأردنية. فهاتان الحضارتان تعدّان من الحضارات الزائلة التي لم تترك وراءها أثراً ملموساً. ولولا الإشارات الواردة في القرآن الكريم والتوراة، لما كان بإمكاننا تأكيد وجود هاتين المملكتين العظيمتين

وكما تعد نشأة مملكة أدوم الأردنية واحدة من أبرز الألغاز التي لم تحل بشكل كامل حتى الآن، وذلك يعود إلى ندرة الحفريات الأثرية التي تسعى لكشف تاريخها، بالإضافة إلى التشويه المتعمد الذي تتضمنه الرواية التوراتية حول أجدادنا الأردنيين الأدوميين. ويتجلى هذا التشويه في محاولات بعض علماء الآثار التوراتيين تكييف المكتشفات الأثرية لتتوافق مع الرواية التوراتية في مواقع متعددة

نشأة مملكة أدوم الأردنية لا تزال لغزًا غامضًا

بسبب ندرة الحفريات والتشويه المتعمد في الرواية التوراتية، حيث يسعى بعض علماء الآثار لتكييف المكتشفات بما يتوافق معها

الشعب الأدومي

استقر الأردنيون الأدوميون في منطقتي الجبل والشراه، وهما من المرتفعات الشاهقة. تقع منطقة الجبل بين قلعة عنزة الواقعة على خط سكة القطار العسكري العثماني وجبل ضانا، وتتميز بوجود صخور بركانية وعدد من الأودية. أما منطقة الشراه، فهي تمتد بانحدار نحو معان وتشرف على وادي حزمة، وتحدها من الجنوب منطقة وادي رم، ويغلب على أراضيها الحجر الجيري

قام الأدوميون في الأردن بتطوير شبكة من الطرق والمسالك التي اجتازت الجبال والوديان، مما ساعد على الربط بين مدنهم وقراهم. كما كانت هذه الطرق تعتبر شريانًا رئيسيًا للعديد من القوافل التجارية. تميزوا أيضًا بمهارتهم في جر المياه وتخزينها، حيث شقوا قنوات الري بشكل مبتكر. اعتمدوا في توفير المياه على المياه الجوفية، والينابيع التي تنبع من الجبال، بالإضافة إلى المياه المتجمعة في الأودية. وقد أظهرت الدراسات الأثرية العديد من مواقع تخزين الحبوب، مما يدل على قدرتهم على تكييف الحياة في المناطق الجبلية الصعبة. لم يقتصر نشاطهم على الرعي فقط، بل طوروا الزراعة أيضًا، واستفادوا من النحاس المتوفر بكثرة في وادي عربة وضانا

كان الأدوميون يستغلون مناجم النحاس، والحديد، والمنغنيز، والذهب، والأحجار الكريمة في وادي العربة ووادي فينون/فنان، وهي مناطق لا تزال غنية بهذه المعادن حتى يومنا هذا، وقد ورد ذكر هذه المناجم في القرآن الكريم عند الحديث عن النبي سليمان عليه السلام، حيث كان يستغل مناجم النحاس في وادي العربة الأدومي

المراجع

د . احمد عويدي العبادي , سلسلة المملكة الاردنية الأدومية

Previous:
الشماغ الأردني
Next:
المملكة الأردنية الأدومية، جزء: ٢ – النشأة والتأسيس