المملكة الأردنية الأدومية، جزء: ١٥ – رسالة النبي موسى إلى الملك حدد بن بدد ١
تتناول هذه القصة التاريخية الواردة في النص التوراتي طلب النبي موسى عليه السلام من ملك أدوم، حدد بن بدد، السماح له ولقومه بالمرور عبر أراضي المملكة في طريقهم إلى بلاد كنعان. وعلى الرغم من تأكيد موسى عليه السلام على التزام قومه بعدم التعدي على الممتلكات أو الموارد، إلا أن الملك الأدومي رفض الطلب حفاظًا على استقرار مملكته. يعكس هذا الحدث الأوضاع السياسية والجغرافية آنذاك، كما يبرز التحديات التي واجهها بنو إسرائيل في رحلتهم عبر الصحراء
يذكر النص التوراتي رسالة النبي موسى عليه الصلاة والسلام إلى الملك حدد بن بدد، ملك أدوم الأردني، حيث طلب منه السماح له ولقومه بالمرور عبر مملكة أدوم للوصول إلى بلاد كنعان. وقد خاطبه موسى عليه السلام مستعطفًا ومبينًا نواياه السلمية، إلا أن الملك حدد رفض هذا الطلب رفضًا قاطعًا، لأسباب تتعلق بمصلحة بلاده واستقرار عرشه
:وقد ورد في التوراة ما نصه
“دَعْنَا نَمُرُّ فِي أَرْضِكَ. لاَ نَمُرُّ فِي حَقْلٍ وَلاَ فِي كَرْمٍ، وَلاَ نَشْرَبُ مَاءَ بِئْرٍ. فِي طَرِيقِ الْمَلِكِ نَمْشِي، لاَ نَمِيلُ يَمِينًا وَلاَ يَسَارًا حَتَّى نَتَجَاوَزَ تُخُومَكَ” (سفر العدد ٢٠: ١٧)
:يتضح من هذا النص عدة أمور مهمة
طلب الإذن بالمرور طلب النبي موسى عليه السلام المرور عبر أراضي مملكة أدوم، مؤكدًا التزامهم بعدم التعدي أو الإضرار بممتلكات المملكة
الالتزام بعدم التعدي تعهد موسى وقومه بعدم المرور في الحقول أو الكروم، وعدم المساس بالمحاصيل الزراعية
شراء الماء التزامهم بعدم استخدام آبار المياه العامة إلا مقابل دفع ثمن ما يشربونه، مراعاة لحقوق أهل البلاد
الالتزام بالطريق السلطاني أكد موسى عليه السلام أن مسيرهم سيكون عبر الطريق السلطاني
نلمس في هذه الأية مدى خصوبة الأراضي الأردنية في ذلك العصر، حيث اشتهرت بمزارعها المثمرة ووفرة محاصيلها من الفواكه والخضروات، وهي خصوبة تراجعت تدريجيًا في القرنين العشرين والواحد والعشرين. كما يشير النص إلى وجود شبكة من الآبار على طول الطريق، كانت مخصصة لخدمة المسافرين والقوافل، وليس لاستيعاب احتياجات جماعة كبيرة مثل بني إسرائيل، مما برر اشتراط الدفع مقابل المياه المستهلكة
لقد كانت رسالة النبي موسى عليه السلام تحمل في طياتها الاحترام والتقدير لأهل أدوم ومواردهم، إلا أن موقف الملك حدد كان نابعًا من حرصه على مملكته ومصالحها، في ظل الظروف التي أحاطت بتلك المرحلة التاريخية
فكان رد ملك أدوم: «لا تمر من هنا لئلا أخرج للقائك بالسيف»، والمقصود بهذا القول هو الملك حدد بن بدد، ملك أدوم، الذي رفض طلب نبي الله موسى عليه السلام بالسماح لبني إسرائيل بالعبور عبر أرضه
وقد وردت هذه القصة في التوراة، كما جاء في (سفر العدد ٢٠)، حيث وصل بنو إسرائيل، جميع الجماعة التي خرجت من مصر، إلى برية صين في الشهر الأول من رحلتهم. وأقاموا هناك في منطقة قادش، حيث توفيت مريم أخت موسى عليه السلام، ودفنت في ذلك المكان, واجه بنو إسرائيل مشكلة نقص المياه، فاجتمعوا محتجين على موسى وهارون عليهما السلام، إذ افتقدوا مصادر المياه التي اعتادوا عليها في مصر، حيث كانت الأنهار والينابيع السطحية متاحة لهم، بينما كانوا يجهلون كيفية استخراج المياه الجوفية، كما كان يفعل الأدوميون
فخاطب الشعب موسى عليه السلام قائلين: «ليتنا متنا كما مات إخواننا أمام الرب»، معبرين عن استيائهم من صعوبة الحياة في الصحراء، ومقارنة وضعهم الحالي بحياتهم المريحة في مصر, وأضافوا بامتعاض: «لماذا جئتم بنا إلى هذه البرية لنموت نحن ومواشينا؟» ما يدل على امتلاكهم قطعانًا متنوعة من الماشية، كالأغنام والأبقار والبغال والحمير والكلاب, وتابعوا: لماذا أخرجتمونا من مصر إلى هذا المكان القاحل،الذي لا يصلح للزراعة، ولا ينبت فيه التين أو الكرم أو الرمان، ولا نجد فيه ماءً للشرب؟
لقد شعروا بالغربة والعجز عن التكيف مع البيئة الصحراوية التي تختلف تمامًا عن وادي النيل الخصيب، ووصفوا انتقالهم من مصر بأنه صعود، نظرًا لانتقالهم من أرض منخفضة إلى منطقة جبلية مرتفعة، هي برية صين, ولذلك قالوا: لماذا اصعدتنا من مصر
جاء في الكتاب المقدس، وتحديدًا في سفر العدد، الإصحاح ٢٠، من الآية ٦ إلى الآية ٢٥، رواية تحمل معاني ودلالات عميقة تتعلق بأحداث هامة في تاريخ بني إسرائيل. خصوصًا عند محاولتهم عبور مملكة أدوم. يعكس هذا المقطع الديني الصراعات والتجارب التي مروا بها, يعتبر هذا الجزء من النصوص الدينية مصدرًا للتأمل والتدبر في كيفية تعامل القادة مع الأزمات، ودور الإيمان والطاعة في مواجهة العقبات
فَأَتَى مُوسَى وَهَارُونُ مِنْ أَمَامِ الْجَمَاعَةِ إِلَى بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ وَسَقَطَا عَلَى وَجْهَيْهِمَا، فَتَرَاءَى لَهُمَا مَجْدُ الرَّبِّ
:وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلاً
خُذِ الْعَصَا وَاجْمَعِ الْجَمَاعَةَ أَنْتَ وَهَارُونُ أَخُوكَ، وَكَلِّمَا الصَّخْرَةَ أَمَامَ أَعْيُنِهِمْ أَنْ تُعْطِيَ مَاءَهَا، فَتُخْرِجُ لَهُمْ مَاءً مِنَ الصَّخْرَةِ وَتَسْقِي الْجَمَاعَةَ وَمَوَاشِيَهُمْ
فَأَخَذَ مُوسَى الْعَصَا مِنْ أَمَامِ الرَّبِّ كَمَا أَمَرَهُ
وَجَمَعَ مُوسَى وَهَارُونُ الْجُمْهُورَ أَمَامَ الصَّخْرَةِ، فَقَالَ لَهُمُ: «اسْمَعُوا أَيُّهَا الْمَرَدَةُ، أَمِنْ هذِهِ الصَّخْرَةِ نُخْرِجُ لَكُمْ مَاءً؟
وَرَفَعَ مُوسَى يَدَهُ وَضَرَبَ الصَّخْرَةَ بِعَصَاهُ مَرَّتَيْنِ، فَخَرَجَ مَاءٌ غَزِيرٌ، فَشَرِبَتِ الْجَمَاعَةُ وَمَوَاشِيهَا
فَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى وَهَارُونَ: مِنْ أَجْلِ أَنَّكُمَا لَمْ تُؤْمِنَا بِي حَتَّى تُقَدِّسَانِي أَمَامَ أَعْيُنِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، لِذلِكَ لاَ تُدْخِلاَنِ هذِهِ الْجَمَاعَةَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا
هذَا مَاءُ مَرِيبَةَ، حَيْثُ خَاصَمَ بَنُو إِسْرَائِيلَ الرَّبَّ، فَتَقَدَّسَ فِيهِمْ
وَأَرْسَلَ مُوسَى رُسُلاً مِنْ قَادَشَ إِلَى مَلِكِ أَدُومَ: «هكَذَا يَقُولُ أَخُوكَ إِسْرَائِيلُ: قَدْ عَرَفْتَ كُلَّ الْمَشَقَّةِ الَّتِي أَصَابَتْنَا
إِنَّ آبَاءَنَا انْحَدَرُوا إِلَى مِصْرَ، وَأَقَمْنَا فِي مِصْرَ أَيَّامًا كَثِيرَةً وَأَسَاءَ الْمِصْرِيُّونَ إِلَيْنَا وَإِلَى آبَائِنَا
فَصَرَخْنَا إِلَى الرَّبِّ فَسَمِعَ صَوْتَنَا، وَأَرْسَلَ مَلاَكًا وَأَخْرَجَنَا مِنْ مِصْرَ. وَهَا نَحْنُ فِي قَادَشَ، مَدِينَةٍ فِي طَرَفِ تُخُومِكَ
دَعْنَا نَمُرَّ فِي أَرْضِكَ. لاَ نَمُرُّ فِي حَقْل وَلاَ فِي كَرْمٍ، وَلاَ نَشْرَبُ مَاءَ بِئْرٍ. فِي طَرِيقِ الْمَلِكِ نَمْشِي، لاَ نَمِيلُ يَمِينًا وَلاَ يَسَارًا حَتَّى نَتَجَاوَزَ تُخُومَكَ
فَقَالَ لَهُ أَدُومُ: «لاَ تَمُرُّ بِي لِئَلاَّ أَخْرُجَ لِلِقَائِكَ بِالسَّيْفِ
فَقَالَ لَهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ: «فِي السِّكَّةِ نَصْعَدُ، وَإِذَا شَرِبْنَا أَنَا وَمَوَاشِيَّ مِنْ مَائِكَ أَدْفَعُ ثَمَنَهُ. لاَ شَيْءَ. أَمُرُّ بِرِجْلَيَّ فَقَطْ
فَقَالَ: «لاَ تَمُرُّ». وَخَرَجَ أَدُومُ لِلِقَائِهِ بِشَعْبٍ غَفِيرٍ وَبِيَدٍ شَدِيدَةٍ
وَأَبَى أَدُومُ أَنْ يَسْمَحَ لإِسْرَائِيلَ بِالْمُرُورِ فِي تُخُومِهِ، فَتَحَوَّلَ إِسْرَائِيلُ عَنْهُ
فَارْتَحَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ، الْجَمَاعَةُ كُلُّهَا، مِنْ قَادَشَ وَأَتَوْا إِلَى جَبَلِ هُورٍ (أي إن إقامتهم في منطقة قادش كانت مؤقتة وارتحلوا منها بمجرد رفض الملك تحديدًا أن يستقروا أو يمروا، كدليل على أنها كانت من مملكة حدد بن بدد وليست خارج سلطانه)
وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى وَهَارُونَ فِي جَبَلِ هُورٍ عَلَى تُخُمِ أَرْضِ أَدُومَ قَائِلاً
«يُضَمُّ هَارُونُ إِلَى قَوْمِهِ لأَنَّهُ لاَ يَدْخُلُ الأَرْضَ الَّتِي أَعْطَيْتُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، لأَنَّكُمْ عَصَيْتُمْ قَوْلِي عِنْدَ مَاءِ مَرِيبَةَ
خُذْ هَارُونَ وَأَلِعَازَارَ ابْنَهُ وَاصْعَدْ بِهِمَا إِلَى جَبَلِ هُورٍ
المراجع
د . احمد عويدي العبادي, رسالة النبي موسى الى الملك حدد بن بدد