المملكة الأردنية الأدومية، جزء: ١٥ – رسالة النبي موسى إلى الملك حدد بن بدد ٢

يعد “طريق الملك” أحد أهم الطرق التجارية والحضارية في العصور القديمة، حيث لعب دورًا محوريًا في الربط بين الممالك الأردنية القديمة وتعزيز التجارة والتنقل. امتد هذا الطريق من خليج العقبة شمالًا إلى دمشق، مرورًا بأراضي أدوم، مما جعله شريانًا حيويًا للقوافل والجيوش والمسافرين. كما أسهم موقع أدوم الاستراتيجي في ازدهارها اقتصاديًا، حيث استفادت من حركة التجارة والضرائب المفروضة على القوافل العابرة

الموقع الاستراتيجي لأدوم ودور طريق الملك في التواصل والتجارة

طلب النبي موسى من الملك حدد بن بدد السماح للإسرائيليين بالمرور عبر “طريق الملك”، وهو الطريق السلطاني الذي يعبر أراضي أدوم “دَعْنَا نَمُرَّ فِي أَرْضِكَ. لاَ نَمُرُّ فِي حَقْل وَلاَ فِي كَرْمٍ، وَلاَ نَشْرَبُ مَاءَ بِئْرٍ. فِي طَرِيقِ الْمَلِكِ نَمْشِي، لاَ نَمِيلُ يَمِينًا وَلاَ يَسَارًا حَتَّى نَتَجَاوَزَ تُخُومَكَ” (عد ٢٠: ١٧), امتد هذا الطريق من خليج العقبة، متقاطعًا عند منطقة معان مع الطريق القادمة من مدائن صالح وصولًا إلى دمشق في منطقة آرام، وقد سمي “السلطاني” لأنه كان يعبر الممالك الأردنية القديمة، بدءًا من خليج أدوم/العقبة، مرورًا بممالك أدوم ومؤاب وحشبون وعمون وباشان، فيما يشبه ما يمكن وصفه اليوم بطريق سريع حيوي

كان هذا الطريق ممرًا للقوافل التجارية والمواطنين والبضائع والجيوش، ويعد طريقًا عامًا يخدم جميع الممالك الأردنية، ويصنف كوقف سلطاني، أي ملكي، لا يحق لأحد منعه أو قطعه، نظرًا لدوره المحوري في ربط الممالك الأردنية القديمة ببعضها البعض

إضافةً إلى ذلك، كان “طريق الملك” شريانًا مهمًا للتواصل والمواصلات بين الممالك الأردنية، وأحد أبرز الطرق التي اعتمدت عليها القوافل التجارية في عمليات التبادل التجاري البيني والعابر، مما جعله مصدرًا مهمًا لدعم خزائن تلك الممالك

وكانت تفرعات هذا الطريق تمتد غربًا إلى مصر، وجنوبًا إلى يثرب (المدينة المنورة لاحقًا) وصولًا إلى اليمن السعيد. أما شمالًا، فكان يصل إلى أذرعات ودمشق، مع تفرعات أخرى تقود إلى طبريا وصور والساحل الكنعاني (الفلسطيني لاحقًا)، حيث كان يشكل همزة وصل مع الموانئ الفينيقية على البحر الأبيض المتوسط

اشترط النبي موسى عليه السلام على نفسه وعلى قومه عند طلب الإذن من الملك حدد بن بدد، أن يسير بنو إسرائيل بمحاذاة الهضاب المرتفعة التي تحد العربة من الشرق أثناء اجتيازهم بأدوم، أي بين جبال الشراة والبادية، حيث كانت المدن الرئيسة لمملكة أدوم تقع على طول هذا الطريق

 وَهؤُلاَءِ هُمُ الْمُلُوكُ الَّذِينَ مَلَكُوا فِي أَرْضِ أَدُومَ، قَبْلَمَا مَلَكَ مَلِكٌ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (سفر التكوين٣٦ :٣٢)

مَلَكَ فِي أَدُومَ بَالَعُ بْنُ بَعُورَ، وَكَانَ اسْمُ مَدِينَتِهِ دِنْهَابَةَ (سفر التكوين٣٦ :٣٣)

هُوَ قَتَلَ مِنْ أَدُومَ فِي وَادِي الْمِلْحِ عَشَرَةَ آلاَفٍ، وَأَخَذَ سَالِعَ بِالْحَرْبِ، وَدَعَا اسْمَهَا يَقْتَئِيلَ إِلَى هذَا الْيَوْمِ (سفر ملوك ١٤: ٧)

وكانت هناك طريق تؤدي إلى الشرق، تبدأ من نقب الجنوب بالقرب من الحميمة، وتمر عبر معان عند طرف الصحراء العربية، حيث تلتقي بطريق أخرى تمتد في اتجاه شمالي جنوبي، وهي الطريق السلطاني. وتعرف هذه الطريق أيضًا باسم “طريق الملك“، ولا يزال هذا الاسم مستخدمًا حتى يومنا هذا، كما يطلق عليها أيضًا “الطريق الصحراوي” نظرًا لمجاورتها للصحراء الأردنية، وامتدادها بين جبال الشراة ومؤاب غربًا والصحراء الأردنية شرقًا

كانت هذه الطريق تعد شريانًا حيويًا يربط بين الممالك الأردنية الثمودية، وتمتد جنوبًا إلى مدائن صالح والحجر والعلا، كما تتفرع منها طرق أخرى تؤدي إلى عصيون جابر وقادش برنيع وساحل البحر الأبيض المتوسط. ومن قادش، تتجه طريق فرعية أخرى نحو مصر عبر وادي الطميلات، وصولًا إلى العاصمة المصرية القديمة طيبة شرق نهر النيل. أما في عصيون جابر، فكانت هناك طريق إضافية تعبر وادي العربة نحو طبريا وأريحا

وعلى هذه الطريق، في البادية الأردنية شرقي الكرك، تم إنشاء سد مائي منذ أقدم العصور عند ملتقى الوديان الصحراوية القادمة من أعماق البادية الشرقية. يعرف هذا السد باسم “السد السلطاني“، ولا يزال يحمل هذا الاسم حتى يومنا هذا، نظرًا لوقوعه على طريق الملك أو الطريق السلطاني، التي كانت تعد طريقًا دوليًا في تلك العصور، تربط بين الممالك الأردنية الثمودية وتسلكها القوافل التجارية القادمة من اليمن والعائدة إليها. وكان هذا الامتداد الطرقي موجودًا قبل عهد الملك حدد بن بدد واستمر في لعب دور حيوي في حركة التجارة والرحلات عبر المنطقة

استخدمت هذه الطرق قديماً لنقل البضائع القيّمة القادمة من مصر وبلاد العرب وأرام (دمشق) وبلاد ما بين النهرين. ويرجح أن الرسوم التي كانت تُحصل من قوافل الجمال والبغال والحمير العابرة عبر هذه الطرق، قد ساهمت بشكل كبير في ازدهار أدوم ماديًا واقتصاديًا، سواء على مستوى الدولة أو الأفراد أو القرى والمدن أو حتى المحطات التجارية والأسواق. ويحتمل أيضًا أن المسافرين المنهكين من رحلات الصحراء كانوا يدفعون مقابل الطعام والمأوى والخدمات التي يحصلون عليها في محطات التوقف، مما كان يُحرك السوق في ذلك الوقت ويزيد من دخل الأفراد والدولة. كما كانت العربات التي تجرها الخيول والبغال والحمير تسير على هذه الطرق محملةً بالبضائع والمسافرين والأمتعة

أما الجرف الصخري العميق في الجانب الغربي من هضبة الشراة، فقد كان شديد الانحدار والوعورة، ويطل على وادي العربة، مما شكل حاجزًا طبيعيًا يحمي أدوم من أي هجوم محتمل. كانت الصخور هناك تعيق محاولات التسلق أو الاقتحام، باستثناء بعض الممرات الصعبة التي تتخلل الجروف، وقد شكلت هذه الجهة حصنًا دفاعيًا طبيعيًا بالغ القوة

وفي الشمال، كان الأخدود العميق لوادي زارد (الحسا) يشكل عائقًا طبيعيًا حال دون تقدم قوات موآب نحو المنطقة. إلا أن الجبهة الشرقية الصحراوية كانت أكثر عرضة للهجمات، إذ كانت مفتوحة ويسهل اختراقها ليلاً في ضوء القمر والنجوم، أو نهارًا في وضح الشمس. ولذلك، شيدت قلاع متتالية على طول تلك الجبهة لتشكل خط دفاع يحمي مملكة أدوم من هجمات القبائل الصحراوية، كقبائل المديانيين، قبل قدوم حدد بن بدد واحتلال أدوم لمدين وضمها بالقوة إلى أراضيها

إضافة إلى ذلك، تتخلل الجبال والهضاب في المنطقة صدوع محاطة من جانبيها بجروف من الحجر الرملي الأحمر، وهي جروف شديدة الوعورة يصعب تسلقها نظرًا لنعومتها وانحدارها الحاد. وتشكل هذه الجروف ممرات ضيقة وخطرة، مما يجعل عبورها مغامرة محفوفة بالمخاطر. ومن هنا جاء وصف النبي إرميا للأدوميين بأنهم “يُقيمون بثقة في مخابئ الصخر ويعتصمون بمرتفعات الأكمة”، ويُشبَّهون بالنسر في عشه

عَنْ أَدُومَ: «هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: أَلاَ حِكْمَةَ بَعْدُ فِي تِيْمَانَ؟ هَلْ بَادَتِ الْمَشُورَةُ مِنَ الْفُهَمَاءِ؟ هَلْ فَرَغَتْ حِكْمَتُهُمْ؟ اُهْرُبُوا. الْتَفِتُوا. تَعَمَّقُوا فِي السَّكَنِ يَا سُكَّانَ دَدَانَ، لأَنِّي قَدْ جَلَبْتُ عَلَيْهِ بَلِيَّةَ عِيسُو حِينَ عَاقَبْتُهُ. لَوْ أَتَاكَ الْقَاطِفُونَ، أَفَمَا كَانُوا يَتْرُكُونَ عُلاَلَةً؟ أَوِ اللُّصُوصُ لَيْلًا، أَفَمَا كَانُوا يُهْلِكُونَ مَا يَكْفِيهِمْ؟ وَلكِنَّنِي جَرَّدْتُ عِيسُوَ، وَكَشَفْتُ مُسْتَتَرَاتِهِ فَلاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَخْتَبِئَ. هَلَكَ نَسْلُهُ وَإِخْوَتُهُ وَجِيرَانُهُ، فَلاَ يُوجَدُ. اُتْرُكْ أَيْتَامَكَ أَنَا أُحْيِيهِمْ، وَأَرَامِلُكَ عَلَيَّ لِيَتَوَكَّلْنَ. لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: هَا إِنَّ الَّذِينَ لاَ حَقَّ لَهُمْ أَنْ يَشْرَبُوا الْكَأْسَ قَدْ شَرِبُوا، فَهَلْ أَنْتَ تَتَبَرَّأُ تَبَرُّؤًا؟ لاَ تَتَبَرَّأُ! بَلْ إِنَّمَا تَشْرَبُ شُرْبًا. لأَنِّي بِذَاتِي حَلَفْتُ، يَقُولُ الرَّبُّ، إِنَّ بُصْرَةَ تَكُونُ دَهَشًا وَعَارًا وَخَرَابًا وَلَعْنَةً، وَكُلُّ مُدُنِهَا تَكُونُ خِرَبًا أَبَدِيَّةً. قَدْ سَمِعْتُ خَبَرًا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ، وَأُرْسِلَ رَسُولٌ إِلَى الأُمَمِ قَائِلًا: تَجَمَّعُوا وَتَعَالَوْا عَلَيْهَا، وَقُومُوا لِلْحَرْبِ. لأَنِّي هَا قَدْ جَعَلْتُكَ صَغِيرًا بَيْنَ الشُّعُوبِ، وَمُحْتَقَرًا بَيْنَ النَّاسِ. قَدْ غَرَّكَ تَخْوِيفُكَ، كِبْرِيَاءُ قَلْبِكَ، يَا سَاكِنُ فِي مَحَاجِئِ الصَّخْرِ، الْمَاسِكَ مُرْتَفَعِ الأَكَمَةِ. وَإِنْ رَفَعْتَ كَنَسْرٍ عُشَّكَ، فَمِنْ هُنَاكَ أُحْدِرُكَ، يَقُولُ الرَّبُّ (سفر إرميا ٤٩: ٧-١٦)

أما الأدوميون، فهم ورثة الحوريين من حيث الموقع والعرق ونمط الحياة والتنظيم الاجتماعي والسياسي والثقافة والعقلية، وهم يمثلون استمرارًا حضاريًا. الجميع يعدّون ثموديين. وإذا كانت كلمة “حوري” – كما يراها بعض العلماء – تعني “ساكن الكهوف“، فإنها في لغتنا تشير إلى اللون الأحمر الممزوج بألوان أخرى بحيث يطغى عليها اللون الأحمر، وهو المعنى ذاته لكلمة أدوم

كما أن ذكور الأدوميين كانوا يخضعون للختان في البداية

هَا أَيَّامٌ تَأْتِي، يَقُولُ الرَّبُّ، وَأُعَاقِبُ كُلَّ مَخْتُونٍ وَأَغْلَفَ (سفر أرميا ٩: ٢٥)
“هُنَاكَ أَدُومُ وَمُلُوكُهَا وَكُلُّ رُؤَسَائِهَا الَّذِينَ مَعَ جَبَرُوتِهِمْ قَدْ أُلْقُوا مَعَ الْقَتْلَى بِالسَّيْفِ، فَيَضْطَجِعُونَ مَعَ الْغُلْفِ وَمَعَ الْهَابِطِينَ فِي الْجُبِّ
(حزقيال ٣٢: ٢٩)

ويبدو أنهم تعلموا ذلك من النبيين الكريمين صالح وشعيب عليهما السلام، وهما نبيان عربيان ثموديان. وكان على الإسرائيليين في فترة الترحال في البرية احترام حقوق الأدوميين في امتلاك الأرض، باعتقادهم الباطل أن الأدوميين ينحدرون من عيسو الوهمي، وأن الله يهوه قد منح جبل سعير ملكًا لأبناء عيسو، أي للأدوميين 

 هذَا هُوَ الْكَلاَمُ الَّذِي كَلَّمَ بِهِ مُوسَى جَمِيعَ إِسْرَائِيلَ، فِي عَبْرِ الأُرْدُنِّ، فِي الْبَرِّيَّةِ فِي الْعَرَبَةِ، قُبَالَةَ سُوفَ، بَيْنَ فَارَانَ وَتُوفَلَ وَلاَبَانَ وَحَضَيْرُوتَ وَذِي ذَهَبٍ
أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا مِنْ حُورِيبَ عَلَى طَرِيقِ جَبَلِ سِعِيرَ إِلَى قَادَشَ بَرْنِيعَ
فَفِي السَّنَةِ الأَرْبَعِينَ، فِي الشَّهْرِ الْحَادِي عَشَرَ فِي الأَوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ، كَلَّمَ مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ حَسَبَ كُلِّ مَا أَوْصَاهُ الرَّبُّ إِلَيْهِمْ
بَعْدَ مَا ضَرَبَ سِيحُونَ مَلِكَ الأَمُورِيِّينَ السَّاكِنَ فِي حَشْبُونَ، وَعُوجَ مَلِكَ بَاشَانَ السَّاكِنَ فِي عَشْتَارُوثَ فِي إِذْرَعِي
فِي عَبْرِ الأُرْدُنِّ، فِي أَرْضِ مُوآبَ، ابْتَدَأَ مُوسَى يَشْرَحُ هذِهِ الشَّرِيعَةَ قَائِلًا
اَلرَّبُّ إِلهُنَا كَلَّمَنَا فِي حُورِيبَ قَائِلًا: كَفَاكُمْ قُعُودٌ فِي هذَا الْجَبَلِ
تَحَوَّلُوا وَارْتَحِلُوا وَادْخُلُوا جَبَلَ الأَمُورِيِّينَ وَكُلَّ مَا يَلِيهِ مِنَ الْعَرَبَةِ وَالْجَبَلِ وَالسَّهْلِ وَالْجَنُوبِ وَسَاحِلِ الْبَحْرِ، أَرْضَ الْكَنْعَانِيِّ وَلُبْنَانَ إِلَى النَّهْرِ الْكَبِيرِ، نَهْرِ الْفُرَاتِ
اُنْظُرْ. قَدْ جَعَلْتُ أَمَامَكُمُ الأَرْضَ. ادْخُلُوا وَتَمَلَّكُوا الأَرْضَ الَّتِي أَقْسَمَ الرَّبُّ لآبَائِكُمْ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أَنْ يُعْطِيَهَا لَهُمْ وَلِنَسْلِهِمْ مِنْ بَعْدِهِمْ (سفر التثنية ٢:١-٨)

وهذا الاعتقاد لا يتفق مع العقل والمنطق

وكانت القبائل الأدومية في الأصل تحت حكم شيوخ القبائل، وكانوا خاضعين للحوريين كما كان الأنباط لاحقًا خاضعين للأدوميين. وتشير سلالة الملوك الأدوميين المتعاقبة إلى أن الحكام جاءوا من قبائل أدومية مختلفة، ووصلوا إلى العرش من خلال الانتخاب والاختيار، وليس عبر الوراثة أو الصراع الدامي. وبذلك لم تقتصر الملكية على عشيرة أو أسرة معينة، مما زاد من قوة الدولة وديمومتها، لأن العرش كان يمنح لمن يستحقه ويكون مؤهلاً له بعيدًا عن العواطف والمزاجيات

هؤُلاَءِ بَنُو عِيسُو الَّذِي هُوَ أَدُومُ، وَهؤُلاَءِ أُمَرَاؤُهُمْ (سفر التكوين ٣٦ :١٩ )
وَهؤُلاَءِ هُمُ الْمُلُوكُ الَّذِينَ مَلَكُوا فِي أَرْضِ أَدُومَ، قَبْلَمَا مَلَكَ مَلِكٌ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (سفر التكوين ٣٦ :٣١ )
وَأَمِيرُ مَجْدِيئِيلَ وَأَمِيرُ عِيرَامَ. هؤُلاَءِ أُمَرَاءُ أَدُومَ حَسَبَ مَسَاكِنِهِمْ فِي أَرْضِ مُلْكِهِمْ. هذَا هُوَ عِيسُو أَبُو أَدُومَ (سفر التكوين ٣٦ :٤٣ )

الآية في (سفر التكوين ٣٦ :٣١) التي تشير إلى الحكام الأدوميين على أنهم “الملوك الذين ملكوا في أرض أدوم قبل أن يملك ملك على بني إسرائيل” قد اعتبرت من قبل بعض النقاد مفارقة تاريخية أو إضافة لاحقة. لكن هذا الرأي غير دقيق، فبني إسرائيل لم يكن لديهم ملك في زمن الأدوميين، وبدأوا في تنصيب الملوك بعد عدة قرون، وذلك اقتداءً بملوك مملكة عمون. وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم في سورة البقرة (آية ٢٤٦) ” أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا ۖ قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا ۖ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ” سورة البقرة (آية ٢٤٦)، كما أن هذا الاعتراف يوجد أيضًا في سفر التكوين (سفر التكوين ٣٦ :٣١) وكان هذا أول ملك من بني إسرائيل

وكان موسى عليه السلام، الذي يعتبر نبيًا من أولي العزم وكليم الله سبحانه، هو الذي يعتقد أنه كاتب سفر التكوين. وكان موسى يعلم بوعد الله الواضح لوالده يعقوب (إسرائيل) بأن “ملوكًا سيخرجون من صلبه” “وَقَالَ لَهُ اللهُ: «أَنَا اللهُ الْقَدِيرُ. أَثْمِرْ وَاكْثُرْ. أُمَّةٌ وَجَمَاعَةُ أُمَمٍ تَكُونُ مِنْكَ، وَمُلُوكٌ سَيَخْرُجُونَ مِنْ صُلْبِكَ.” (سفر التكوين ٣٥: ١١).، كما تنبأ موسى أيضًا بأن إسرائيل سيحكمها ملك في النهاية “يَذْهَبُ بِكَ الرَّبُّ وَبِمَلِكِكَ الَّذِي تُقِيمُهُ عَلَيْكَ إِلَى أُمَّةٍ لَمْ تَعْرِفْهَا أَنْتَ وَلاَ آبَاؤُكَ، وَتَعْبُدُ هُنَاكَ آلِهَةً أُخْرَى مِنْ خَشَبٍ وَحَجَرٍ،” (سفر التثنية ٢٨: ٣٦)

الباحث الدكتور أحمد عويدي العبادي لا يتفق مع ما ورد في الترجمة السبعينية اليونانية، التي تشير إلى إضافة في سفر أيوب ٤٢:١٧ “ثُمَّ مَاتَ أَيُّوبُ شَيْخًا وَشَبْعَانَ الأَيَّامِ” تحدد هوية أيوب بأنه يوباب، وهو الملك الأدومي المذكور في سفر التكوين ٣٦:٣٣ “وَمَاتَ بَالَعُ، فَمَلَكَ مَكَانَهُ يُوبَابُ بْنُ زَارَحَ مِنْ بُصْرَةَ”, لا شك أن أيوب عليه السلام كان نبيًا من أنبياء الله تعالى، وكان في أرض أدوم، ولم يكن ملكًا. أما يوباب فقد يكون أحد ملوك أدوم، لكنه ليس النبي أيوب على الإطلاق، بل هو اسم آخر لشخص مختلف. كان مقر أيوب عليه السلام في العيص على الجبل المطل على الطفيلة، والذي يسمى العيص، وكان هذا الجبل جزءًا من المملكة الأدومية. على الرغم من أن التوراة تشير إلى ملوك أدوم في سياق أرض العيص أو العوص، فإن ذلك لا يعني أن أيوب عليه السلام كان ملكًا

في نصوص التوراة، هناك احتمال أن أحد “أصدقاء” أيوب الثلاثة الذين زاروه وانتقدوه أثناء مرضه كان أدوميًا، وهو أليفاز التيماني. كان أليفاز من تيمان، وهي ولاية من ولايات أدوم. ويظهر أليفاز في صورة حكيم من حكماء تيمان في أدوم

كما ورد في سفر التكوين ٣٦:١١، ٣٤ وَكَانَ بَنُو أَلِيفَازَ: تَيْمَانَ وَأَوْمَارَ وَصَفْوًا وَجَعْثَامَ وَقَنَازَ
ويذكر في سفر أرميا ٤٩:٧ عَنْ أَدُومَ: «هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: أَلاَ حِكْمَةَ بَعْدُ فِي تِيْمَانَ؟ هَلْ بَادَتِ الْمَشُورَةُ مِنَ الْفُهَمَاءِ؟ هَلْ فَرَغَتْ حِكْمَتُهُمْ؟

أن تيمان الأدومية اشتهرت بحكمة شعبها. ويُحتمل أن هذا الصيت قد نجم عن تفاعلهم المستمر مع المسافرين الآتين من الشرق وتواصلهم مع القواف

المراجع

د . احمد عويدي العبادي, رسالة النبي موسى الى الملك حدد بن بدد

Previous:
المملكة الأردنية الأدومية، جزء: ١٥ – رسالة النبي موسى إلى الملك حدد بن بدد ١
Next:
المملكة الأردنية الأدومية، جزء: ١٨ – اتفاقية الرعي بين الملك حدد والفرعون رمسيس الثاني