المملكة الأردنية الأدومية، جزء: ١٦ – حدد بن بدد يمنع النبي موسى من عبور الأردن
شهدت المنطقة المحيطة بأدوم تحولات كبرى بعد غرق جيوش فرعون ونجاة بني إسرائيل، مما أدى إلى توترات سياسية وعسكرية في المنطقة. لعب العماليق الأدوميون دورًا بارزًا في مواجهة الإسرائيليين، حيث كانوا يشكلون قوة عسكرية قوية على الحدود الغربية لمملكة أدوم. وقد شهدت هذه الفترة صراعات متكررة بين بني إسرائيل وسكان المنطقة، مما ساهم في تشكيل خريطة التحالفات والنزاعات في ذلك الوقت
كان هلاك جيوش فرعون وإنقاذ بني إسرائيل العجيب (المعجزة الإلهية) عبر ذراع السويس من البحر الأحمر له أصداء مزلزلة في منطقة أدوم، كما في سائر الممالك الأردنية وما حولها. في قوله تعالى: “فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (٥٥) فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِّلْآخِرِينَ (٥٦)” (سورة الزخرف)، وأيضًا في قوله تعالى: “فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (٦١) قَالَ كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (٦٢) فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ ۖ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (٦٣) وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ (٦٤) وَأَنجَيْنَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ (٦٥) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (٦٦)” (سورة الشعراء)
كما يمكن مقارنة ذلك مع ما جاء في سفر الخروج حِينَئِذٍ يَنْدَهِشُ أُمَرَاءُ أَدُومَ. أَقْوِيَاءُ مُوآبَ تَأْخُذُهُمُ الرَّجْفَةُ. يَذُوبُ جَمِيعُ سُكَّانِ كَنْعَانَ (سفر الخروج ١٥ : ١٤)
وكانت أول قوة مسلحة تواجه إسرائيل في برية شبه جزيرة سيناء الأدومية الأردنية آنذاك تتبع قبيلة أدومية تحتل منطقة واسعة. هذه القوة كانت تنتمي إلى قبيلة العماليق الأدوميين الثموديين الذين شكلوا مصدر إزعاج لبني إسرائيل طوال تاريخهم، كما ورد في سفر خروج
وَأَتَى عَمَالِيقُ وَحَارَبَ إِسْرَائِيلَ فِي رَفِيدِيمَ. فَقَالَ مُوسَى لِيَشُوعَ: «انْتَخِبْ لَنَا رِجَالًا وَاخْرُجْ حَارِبْ عَمَالِيقَ. وَغَدًا أَقِفُ أَنَا عَلَى رَأْسِ التَّلَّةِ وَعَصَا اللهِ فِي يَدِي». فَفَعَلَ يَشُوعُ كَمَا قَالَ لَهُ مُوسَى لِيُحَارِبَ عَمَالِيقَ. وَأَمَّا مُوسَى وَهَارُونُ وَحُورُ فَصَعِدُوا عَلَى رَأْسِ التَّلَّةِ. وَكَانَ إِذَا رَفَعَ مُوسَى يَدَهُ أَنَّ إِسْرَائِيلَ يَغْلِبُ، وَإِذَا خَفَضَ يَدَهُ أَنَّ عَمَالِيقَ يَغْلِبُ. فَلَمَّا صَارَتْ يَدَا مُوسَى ثَقِيلَتَيْنِ، أَخَذَا حَجَرًا وَوَضَعَاهُ تَحْتَهُ فَجَلَسَ عَلَيْهِ. وَدَعَمَ هَارُونُ وَحُورُ يَدَيْهِ، الْوَاحِدُ مِنْ هُنَا وَالآخَرُ مِنْ هُنَاكَ. فَكَانَتْ يَدَاهُ ثَابِتَتَيْنِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ. فَهَزَمَ يَشُوعُ عَمَالِيقَ وَقَوْمَهُ بِحَدِّ السَّيْفِ. فَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «اكْتُبْ هذَا تَذْكَارًا فِي الْكِتَابِ، وَضَعْهُ فِي مَسَامِعِ يَشُوعَ. فَإِنِّي سَوْفَ أَمْحُو ذِكْرَ عَمَالِيقَ مِنْ تَحْتِ السَّمَاءِ». فَبَنَى مُوسَى مَذْبَحًا وَدَعَا اسْمَهُ «يَهْوَهْ نِسِّي». وَقَالَ: «إِنَّ الْيَدَ عَلَى كُرْسِيِّ الرَّبِّ. لِلرَّبِّ حَرْبٌ مَعَ عَمَالِيقَ مِنْ دَوْرٍ إِلَى دَوْرٍ».” (سفر الخروج ١٧: ٨-١٦)
وكما ورد في في سفر تكوين
وَكَانَتْ تِمْنَاعُ سُرِّيَّةً لأَلِيفَازَ بْنِ عِيسُو، فَوَلَدَتْ لأَلِيفَازَ عَمَالِيقَ. هؤُلاَءِ بَنُو عَدَا امْرَأَةِ عِيسُو. (سفر التكوين ٣٦ :١٢)
وَأَمِيرُ قُورَحَ وَأَمِيرُ جَعْثَامَ وَأَمِيرُ عَمَالِيقَ. هؤُلاَءِ أُمَرَاءُ أَلِيفَازَ فِي أَرْضِ أَدُومَ. هؤُلاَءِ بَنُو عَدَا. (سفر التكوين ٣٦ :١٦))
وكان العماليق الأدوميون الأردنيين يتركزون في الجبهة الغربية لمملكة أدوم، وقد وصفهم الإسرائيليون بأنهم قوم جبارون، كانوا قبيلة شديدة البأس، ضخمة الأجسام، ومدربة جيدًا على القتال، وشكلوا الجبهة الغربية للدفاع عن الأدوميين وبقية الممالك الثمودية. وكانوا في علاقة وثيقة وإيجابية مع الفراعنة قبل غرقهم بسبب المصالح المتبادلة وحاجة كل منهما للآخر، فضلاً عن أنهم من عرق واحد وأمة واحدة، وهي الأمة الثمودية العربية. لذلك، كان الجبارون أدوميين، وليسوا كنعانيين كما هو شائع في بعض الروايات التاريخية المغلوطة. الجبارون الذين تخوف منهم بنو إسرائيل هم في الواقع أدوميون أردنيون، وهم أهل مدينة قدس برنيع الأدومية الأردنية
توجه العماليق بسرعة لملاقاة بني إسرائيل ومواجهتهم في محاولة مستمرة لطردهم من سيناء، ولكن حماية الله كانت هي التي حالت دون تحقيق الهدف الأدومي في إبادة الإسرائيليين عبر العماليق. وعليه، قرر الملك حدد بن بدد مواجهة موسى وقومه بالعماليق، وعزز الجبهة الغربية، ثم عقد مؤتمراً للملوك الأدوميين الذين منحوه صلاحيات كاملة في اتخاذ القرارات التي يراها مناسبة، وأصدر أمرًا بمنع بني إسرائيل من العبور أو المرور أو دخول أرض أدوم شرقي وادي عربة وميناء عصيون جابر. لكن بني إسرائيل لم يواجهوا مقاومة من قبيلة العماليق العدائية فحسب، بل من الأدوميين ككل، إذ كانت تلك القضية بالنسبة لهم قضية مصيرية
فقبل فترة التيه وخلالها، رفض الملك حدد بن بدد طلب موسى بمرور بني إسرائيل عبر ما سمي بـ “أمان في طريق الملك” (أي الطريق السلطاني عبر أدوم)، حتى أنه جمع جيشًا قويًا من سائر ممالك الثموديين لمنع بني إسرائيل من اقتحام مملكته وأراضيه، كما ورد في سفر العدد
“وَأَرْسَلَ مُوسَى رُسُلًا مِنْ قَادَشَ إِلَى مَلِكِ أَدُومَ: «هكَذَا يَقُولُ أَخُوكَ إِسْرَائِيلُ: قَدْ عَرَفْتَ كُلَّ الْمَشَقَّةِ الَّتِي أَصَابَتْنَا. إِنَّ آبَاءَنَا انْحَدَرُوا إِلَى مِصْرَ، وَأَقَمْنَا فِي مِصْرَ أَيَّامًا كَثِيرَةً وَأَسَاءَ الْمِصْرِيُّونَ إِلَيْنَا وَإِلَى آبَائِنَا، فَصَرَخْنَا إِلَى الرَّبِّ فَسَمِعَ صَوْتَنَا، وَأَرْسَلَ مَلاَكًا وَأَخْرَجَنَا مِنْ مِصْرَ. وَهَا نَحْنُ فِي قَادَشَ، مَدِينَةٍ فِي طَرَفِ تُخُومِكَ. دَعْنَا نَمُرَّ فِي أَرْضِكَ. لاَ نَمُرُّ فِي حَقْل وَلاَ فِي كَرْمٍ، وَلاَ نَشْرَبُ مَاءَ بِئْرٍ. فِي طَرِيقِ الْمَلِكِ نَمْشِي، لاَ نَمِيلُ يَمِينًا وَلاَ يَسَارًا حَتَّى نَتَجَاوَزَ تُخُومَكَ». فَقَالَ لَهُ أَدُومُ: «لاَ تَمُرُّ بِي لِئَلاَّ أَخْرُجَ لِلِقَائِكَ بِالسَّيْفِ». فَقَالَ لَهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ: «فِي السِّكَّةِ نَصْعَدُ، وَإِذَا شَرِبْنَا أَنَا وَمَوَاشِيَّ مِنْ مَائِكَ أَدْفَعُ ثَمَنَهُ. لاَ شَيْءَ. أَمُرُّ بِرِجْلَيَّ فَقَطْ». فَقَالَ: «لاَ تَمُرُّ». وَخَرَجَ أَدُومُ لِلِقَائِهِ بِشَعْبٍ غَفِيرٍ وَبِيَدٍ شَدِيدَةٍ. وَأَبَى أَدُومُ أَنْ يَسْمَحَ لإِسْرَائِيلَ بِالْمُرُورِ فِي تُخُومِهِ، فَتَحَوَّلَ إِسْرَائِيلُ عَنْهُ.” (سفر العدد ٢٠: ١٤-٢١).
وعليه، حشرهم في منطقة محدودة تحت سيطرته، ومنعهم من التمدد أو الانتشار في أرض أدوم. وكان بذلك جنديًا مِن مَن جعلهم يتذوقون الذلة والمسكنة. وتدعي التوراة أنه بعد موت هارون على جبل هور قرب حدود أدوم، كما ورد في سفر عدد
وَأَبَى أَدُومُ أَنْ يَسْمَحَ لإِسْرَائِيلَ بِالْمُرُورِ فِي تُخُومِهِ، فَتَحَوَّلَ إِسْرَائِيلُ عَنْهُ
فَارْتَحَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ، الْجَمَاعَةُ كُلُّهَا، مِنْ قَادَشَ وَأَتَوْا إِلَى جَبَلِ هُورٍ
وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى وَهَارُونَ فِي جَبَلِ هُورٍ عَلَى تُخُمِ أَرْضِ أَدُومَ قَائِلًا
يُضَمُّ هَارُونُ إِلَى قَوْمِهِ لأَنَّهُ لاَ يَدْخُلُ الأَرْضَ الَّتِي أَعْطَيْتُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، لأَنَّكُمْ عَصَيْتُمْ قَوْلِي عِنْدَ مَاءِ مَرِيبَةَ
خُذْ هَارُونَ وَأَلِعَازَارَ ابْنَهُ وَاصْعَدْ بِهِمَا إِلَى جَبَلِ هُورٍ
وَاخْلَعْ عَنْ هَارُونَ ثِيَابَهُ، وَأَلْبِسْ أَلِعَازَارَ ابْنَهُ إِيَّاهَا. فَيُضَمُّ هَارُونُ وَيَمُوتُ هُنَاكَ
فَفَعَلَ مُوسَى كَمَا أَمَرَ الرَّبُّ، وَصَعِدُوا إِلَى جَبَلِ هُورٍ أَمَامَ أَعْيُنِ كُلِّ الْجَمَاعَةِ
فَخَلَعَ مُوسَى عَنْ هَارُونَ ثِيَابَهُ وَأَلْبَسَ أَلِعَازَارَ ابْنَهُ إِيَّاهَا. فَمَاتَ هَارُونُ هُنَاكَ عَلَى رَأْسِ الْجَبَلِ، ثُمَّ انْحَدَرَ مُوسَى وَأَلِعَازَارُ عَنِ الْجَبَلِ
فَلَمَّا رَأَى كُلُّ الْجَمَاعَةِ أَنَّ هَارُونَ قَدْ مَاتَ، بَكَى جَمِيعُ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ عَلَى هَارُونَ ثَلاَثِينَ يَوْمًا
سفر عدد (٢٠: ٢٢-٢٩)
فدار الإسرائيليون حول أرض أدوم وخيموا في وادي زارد (وهو وادي الحسا الذي كان يفصل بين مملكتي أدوم ومؤاب شمالًا)، ثم ارتحلوا شمالًا عبر حدود موآب الشرقية
وَارْتَحَلُوا مِنْ جَبَلِ هُورٍ فِي طَرِيقِ بَحْرِ سُوفٍ لِيَدُورُوا بِأَرْضِ أَدُومَ، فَضَاقَتْ نَفْسُ الشَّعْبِ فِي الطَّرِيقِ (سفر عدد ٢١: ٤)
وَسَارَ فِي الْقَفْرِ وَدَارَ بِأَرْضِ أَدُومَ وَأَرْضِ مُوآبَ وَأَتَى مِنْ مَشْرِقِ الشَّمْسِ إِلَى أَرْضِ مُوآبَ وَنَزَلَ فِي عَبْرِ أَرْنُونَ، وَلَمْ يَأْتُوا إِلَى تُخْمِ مُوآبَ لأَنَّ أَرْنُونَ تُخْمُ مُوآبَ (سفر القضاة ١١: ١٨)
فَأَرْسَلْتُ رُسُلًا مِنْ بَرِّيَّةِ قَدِيمُوتَ إِلَى سِيحُونَ مَلِكِ حَشْبُونَ بِكَلاَمِ سَلاَمٍ قَائِلًا
أَمُرُّ فِي أَرْضِكَ. أَسْلُكُ الطَّرِيقَ الطَّرِيقَ، لاَ أَمِيلُ يَمِينًا وَلاَ شِمَالًا
طَعَامًا بِالْفِضَّةِ تَبِيعُنِي لآكُلَ، وَمَاءً بِالْفِضَّةِ تُعْطِينِي لأَشْرَبَ. أَمُرُّ بِرِجْلَيَّ فَقَطْ
كَمَا فَعَلَ بِي بَنُو عِيسُو السَّاكِنُونَ فِي سِعِيرَ، وَالْمُوآبِيُّونَ السَّاكِنُونَ فِي عَارَ، إِلَى أَنْ أَعْبُرَ الأُرْدُنَّ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أَعْطَانَا الرَّبُّ إِلهُنَا
سفر تثنية (٢: ٢٦-٢٩)
إلا أن مجريات التاريخ تثير الشكوك حول صحة هذه الرواية، فحتى مع محاولاتهم، لم يتمكنوا من الوصول إلى الحسا، حيث كانت قوات الأدوميين تحاصرهم وتطوقهم داخل صحراء سيناء، وهي المنطقة الغربية لمملكة أدوم. هذه المنطقة بعيدة عن الحسا، وتتميز بتضاريس جبلية وعرة تجعل من المستحيل على قوم يحملون معهم مواشيهم ونساءهم وأطفالهم الوصول إليها أو اختراق الحصار الأدومي. لا شك في أن هذا الكلام غير دقيق، لكن ربما وصل بعض الجواسيس سرا وعادوا دون أن يحملوا أي معلومات مفيدة
كما أن ملك مؤاب بولاق بن صفور عدواً شديد العداء لبني إسرائيل، وكان متحالفاً مع الملك حدد لمواجهة التهديدات المشتركة، مما جعل الوصول إلى الحسا أمراً مستحيلاً في ظل هذه الأجواء المشحونة، وسط بيئة معادية جاهزة لملاقاة أي خطر. كانت الطرق عبر وادي العربة وجبال الطفيلة شديدة الوعورة، ومن المستحيل اجتيازها. أما التحويل من الشرق فكان أيضاً مستحيلاً بسبب الحواجز الجبلية في منطقة العقبة التي كانت جبهة حربية. وفي مثل هذه الظروف، يمكن لعدد قليل من المحاربين أن يهزموا جيشاً ضخماً بسبب تضاريس المنطقة وما تحتويه من نقاط قاتلة للمعتدين نتيجة ضيق المنافذ وصعوبة التنقل. لهذا، فإن ما ورد في التوراة عن هذا الموضوع ليس إلا تمنيات لم تتحقق أو تقارير جواسيس طواها النسيان، ولكن تم تدوينها في التوراة
يعتقد الباحث الدكتور أحمد عويدي العبادي أن هارون عليه السلام لم يمت في جبال البتراء الأردنية كما يروج له البعض حتى الآن بناءً على ادعاءات التوراة، بل يرى أن هارون، إلى جانب موسى عليهما السلام، قد توفيا ودفنا في سيناء قبل أن ينتهي التيه ويعبر بنو إسرائيل عبر الأردن إلى فلسطين
ويضيف أن منطقة الأدوميين كانت تسمى “هور” أو “حور”، نسبة إلى سكانها الأصليين من الحوريين الذين سبقوا الأدوميين، والذين كانوا ينتمون إلى قبائل ثمود، ويرى الباحث أن هناك تشابهًا في اللفظ بين كلمتي “هارون” و “هور” أو “حور”، مما جعل البعض يعتقد أن هارون عليه السلام توفي ودفن في جبال البتراء. كما يوضح الباحث أن الأعاجم يلفظون حرف الحاء هاء، وأن اليهود كانوا يميلون إلى تحريف التاريخ، ويشير الباحث إلى أن منطقة أدوم، بشكل عام، تقع إلى الشرق من وادي العربية، بينما تقع منطقة الشراة بشكل خاص ضمن الأرض التي حرمها الله على بني إسرائيل لمدة أربعين عامًا، كما ورد في القرآن الكريم. حيث يقول تعالى في سورة المائدة
قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا ۖ فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (٢٤) قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (٢٥) قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ ۛ أَرْبَعِينَ سَنَةً ۛ يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ ۚ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (٢٦)
وبعد ثلاثة قرون من عهد الملك حدد بن بدد، حقق النبي داود، بصفته ملكاً، انتصاراً حاسماً على الأدوميين في وادي الملح (المعروف بوادي البحر الميت). وقام داود بتعيين حاميات من الجيش الإسرائيلي في جميع أنحاء أراضي أدوم، مما جعل بقية السكان خاضعين لإسرائيل من خلال العنف والقوة العسكرية، بالإضافة إلى القمع والقتل والإبادة والنهب
وَيَأْخُذُ حُقُولَكُمْ وَكُرُومَكُمْ وَزَيْتُونَكُمْ، أَجْوَدَهَا وَيُعْطِيهَا لِعَبِيدِهِ. (سفر صموئيل الأول ٨: ١٤)
وبما أن الأدوميين كانوا معروفين بتمردهم ورفضهم للغزو بشكل عام، ولإسرائيل بشكل خاص، كان النبي داود مدركاً لهذه الحقيقة، فاضطر إلى نشر الحاميات العسكرية في مناطق مختلفة من أدوم لضمان عدم تمردهم، وللقضاء على أي محاولة للثورة أو لإعلان مشاعر وطنية أو رفض الوجود الإسرائيلي. وكان داود يعلم أن أدوم لن تطيع ولن تقدم الولاء له، ومع ذلك، تمكن الأدوميون في النهاية من التحرر وطرد الإسرائيليين من بلادهم، واستعادت البلاد هويتها الأدومية الأردنية، كما فعل لاحقاً الملك ميشع ملك مؤاب
أما الملك سليمان بن داود، الذي جاء في وقت لاحق عن عهد الملك حدد بن بدد وكان متزوجاً من نساء أدوميات
وَأَحَبَّ الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ نِسَاءً غَرِيبَةً كَثِيرَةً مَعَ بِنْتِ فِرْعَوْنَ: مُوآبِيَّاتٍ وَعَمُّونِيَّاتٍ وَأَدُومِيَّاتٍ وَصِيدُونِيَّاتٍ وَحِثِّيَّاتٍ (سفر الملوك الأول ١١)
وَكُنْتُ مَعَكَ حَيْثُمَا تَوَجَّهْتَ، وَقَرَضْتُ جَمِيعَ أَعْدَائِكَ مِنْ أَمَامِكَ، وَعَمِلْتُ لَكَ اسْمًا كَاسْمِ الْعُظَمَاءِ الَّذِينَ فِي الأَرْضِ
وَعَيَّنْتُ مَكَانًا لِشَعْبِي إِسْرَائِيلَ وَغَرَسْتُهُ فَسَكَنَ فِي مَكَانِهِ، وَلاَ يَضْطَرِبُ بَعْدُ، وَلاَ يَعُودُ بَنُو الإِثْمِ يَبْلُونَهُ كَمَا فِي الأَوَّلِ
وَمُنْذُ الأَيَّامِ الَّتِي فِيهَا أَقَمْتُ قُضَاةً عَلَى شَعْبِي إِسْرَائِيلَ. وَأَذْلَلْتُ جَمِيعَ أَعْدَائِكَ. وَأُخْبِرُكَ أَنَّ الرَّبَّ يَبْنِي لَكَ بَيْتًا
وَيَكُونُ مَتَى كَمَلَتْ أَيَّامُكَ لِتَذْهَبَ مَعَ آبَائِكَ، أَنِّي أُقِيمُ بَعْدَكَ نَسْلَكَ الَّذِي يَكُونُ مِنْ بَنِيكَ وَأُثَبِّتُ مَمْلَكَتَهُ
هُوَ يَبْنِي لِي بَيْتًا وَأَنَا أُثَبِّتُ كُرْسِيَّهُ إِلَى الأَبَدِ
أَنَا أَكُونُ لَهُ أَبًا وَهُوَ يَكُونُ لِيَ ابْنًا، وَلاَ أَنْزِعُ رَحْمَتِي عَنْهُ كَمَا نَزَعْتُهَا عَنِ الَّذِي كَانَ قَبْلَكَ
وَأُقِيمُهُ فِي بَيْتِي وَمَلَكُوتِي إِلَى الأَبَدِ، وَيَكُونُ كُرْسِيُّهُ ثَابِتًا إِلَى الأَبَدِ
فَحَسَبَ جَمِيعِ هذَا الْكَلاَمِ وَحَسَبَ كُلِّ هذِهِ الرُّؤْيَا كَذلِكَ كَلَّمَ نَاثَانُ دَاوُدَ
فَدَخَلَ الْمَلِكُ دَاوُدُ وَجَلَسَ أَمَامَ الرَّبِّ وَقَالَ: مَنْ أَنَا أَيُّهَا الرَّبُّ الإِلهُ، وَمَاذَا بَيْتِي حَتَّى أَوْصَلْتَنِي إِلَى هُنَا؟
وَقَلَّ هذَا فِي عَيْنَيْكَ يَا اَللهُ فَتَكَلَّمْتَ عَنْ بَيْتِ عَبْدِكَ إِلَى زَمَانٍ طَوِيل، وَنَظَرْتَ إِلَيَّ مِنَ الْعَلاَءِ كَعَادَةِ الإِنْسَانِ أَيُّهَا الرَّبُّ الإِلهُ
فَمَاذَا يَزِيدُ دَاوُدُ بَعْدُ لَكَ لأَجْلِ إِكْرَامِ عَبْدِكَ وَأَنْتَ قَدْ عَرَفْتَ عَبْدَكَ؟
سفر أخبار الأيام الأول (١٧: ٨-١٨)
فقد استغل سيطرة الإسرائيليين على المدينتين الأدوميتين، أيلة (إيلات) وعصيون جابر على ساحل البحر الأحمر، لإنشاء مشروع لبناء السفن بدلاً من جامعة الملك حدد بن بدد للعلوم البحرية التي كانت قد تم استغلالها من قبل إسرائيل لصالح مملكة سليمان
وَعَمِلَ الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ سُفُنًا فِي عِصْيُونَ جَابَرَ الَّتِي بِجَانِبِ أَيْلَةَ عَلَى شَاطِئِ بَحْرِ سُوفٍ فِي أَرْضِ أَدُومَ (سفر الملوك الأول ٩: ٢٦)
وبسبب القضاء على جميع الذكور في أدوم على يد الإسرائيليين، عانت هذه الأمة من ضعف كبير في الرجال المحاربين، ما حال دون نهضتها لفترة طويلة، رغم أن سليل الأسرة الملكية الأدومية حدد بن بدد، تمكن من الهروب إلى مصر كلاجئ سياسي، وأصبح زعيماً لحركة مقاومة لتحرير بلاده من الاحتلال الإسرائيلي
وَأَقَامَ الرَّبُّ خَصْمًا لِسُلَيْمَانَ: هَدَدَ الأَدُومِيَّ، كَانَ مِنْ نَسْلِ الْمَلِكِ فِي أَدُومَ
وَحَدَثَ لَمَّا كَانَ دَاوُدُ فِي أَدُومَ، عِنْدَ صُعُودِ يُوآبَ رَئِيسِ الْجَيْشِ لِدَفْنِ الْقَتْلَى، وَضَرَبَ كُلَّ ذَكَرٍ فِي أَدُومَ
لأَنَّ يُوآبَ وَكُلَّ إِسْرَائِيلَ أَقَامُوا هُنَاكَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ حَتَّى أَفْنَوْا كُلَّ ذَكَرٍ فِي أَدُومَ
أَنَّ هَدَدَ هَرَبَ هُوَ وَرِجَالٌ أَدُومِيُّونَ مِنْ عَبِيدِ أَبِيهِ مَعَهُ لِيَأْتُوا مِصْرَ. وَكَانَ هَدَدُ غُلاَمًا صَغِيرًا
وَقَامُوا مِنْ مِدْيَانَ وَأَتَوْا إِلَى فَارَانَ، وَأَخَذُوا مَعَهُمْ رِجَالًا مِنْ فَارَانَ وَأَتَوْا إِلَى مِصْرَ، إِلَى فِرْعَوْنَ مَلِكِ مِصْرَ، فَأَعْطَاهُ بَيْتًا وَعَيَّنَ لَهُ طَعَامًا وَأَعْطَاهُ أَرْضًا
فَوَجَدَ هَدَدُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْ فِرْعَوْنَ جِدًّا، وَزَوَّجَهُ أُخْتَ امْرَأَتِهِ، أُخْتَ تَحْفَنِيسَ الْمَلِكَةِ
فَوَلَدَتْ لَهُ أُخْتُ تَحْفَنِيسَ جَنُوبَثَ ابْنَهُ، وَفَطَمَتْهُ تَحْفَنِيسُ فِي وَسَطِ بَيْتِ فِرْعَوْنَ. وَكَانَ جَنُوبَثُ فِي بَيْتِ فِرْعَوْنَ بَيْنَ بَنِي فِرْعَوْنَ
فَسَمِعَ هَدَدُ فِي مِصْرَ بِأَنَّ دَاوُدَ قَدِ اضْطَجَعَ مَعَ آبَائِهِ، وَبِأَنَّ يُوآبَ رَئِيسَ الْجَيْشِ قَدْ مَاتَ. فَقَالَ هَدَدُ لِفِرْعَوْنَ: أَطْلِقْنِي إِلَى أَرْضِي
فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ: «مَاذَا أَعْوَزَكَ عِنْدِي حَتَّى إِنَّكَ تَطْلُبُ الذَّهَابَ إِلَى أَرْضِكَ؟» فَقَالَ: «لاَ شَيْءَ، وَإِنَّمَا أَطْلِقْنِي
سفر الملوك الأول (١١: ٢٢-١٤)
إضافة إلى ذلك، أدى الاحتلال الإسرائيلي إلى اختلال في النظام السياسي لنظام الحكم الملكي الأدومي، فاختفت عملية اختيار الملك التي كانت معروفة في السابق. وبقيت أسرة آخر ملك تعرضت للحكم الاحتلالي مسؤولة عن تحرير البلاد، لأنها كانت قد تأثرت بشكل مباشر من الاحتلال خلال فترة حكمه. وكان الادوميون يأملون أن يعيد ابن ذلك الملك المختار الحكم ويعيد الأمور إلى ما كانت عليه قبل الاحتلال، فالتحالف الثمودي الأردني بين “بني عمون، موآب، ومنطقة سعير الجبلية (أدوم)” شن هجومًا على الملك داود
وَكَانَ عِنْدَ تَمَامِ السَّنَةِ فِي وَقْتِ خُرُوجِ الْمُلُوكِ، اقْتَادَ يُوآبُ قُوَّةَ الْجَيْشِ وَأَخْرَبَ أَرْضَ بَنِي عَمُّونَ وَأَتَى وَحَاصَرَ رَبَّةَ. وَكَانَ دَاوُدُ مُقِيمًا فِي أُورُشَلِيمَ. فَضَرَبَ يُوآبُ رَبَّةَ وَهَدَمَهَا
وَأَخَذَ دَاوُدُ تَاجَ مَلِكِهِمْ عَنْ رَأْسِهِ، فَوُجِدَ وَزْنُهُ وَزْنَةً مِنَ الذَّهَبِ، وَفِيهِ حَجَرٌ كَرِيمٌ. فَكَانَ عَلَى رَأْسِ دَاوُدَ. وَأَخْرَجَ غَنِيمَةَ الْمَدِينَةِ وَكَانَتْ كَثِيرَةً جِدًّا
سفر أخبار الأيام الأول (٢٠ : ١-٢)
وكما يذكر أنه في فترة حكم الملك يهوشافاط، اليهودي، لم يكن هناك ملك في أدوم، بل كانت تحكمها وكالة إدارية أدومية تتبع ملك يهوذا، كما يظهر في النصوص التوراتية. وهذا يدل على أن أدوم كانت تحت حكم ذاتي قبل أن تبدأ حرب التحرير التي أنهت الوجود الإسرائيلي فيها. فقبل حرب التحرير الأدومية ضد الإسرائيليين، لم يكن هناك ما يمنع اليهود من الوصول إلى ميناء عصيون جابر على البحر الأحمر / الأدومي / بحر سوف، واستخدامه لأغراض مختلفة في الموانئ الأردنية على خليج العقبة
وَلَمْ يَكُنْ فِي أَدُومَ مَلِكٌ. مَلَكَ وَكِيلٌ
وَعَمِلَ يَهُوشَافَاطُ سُفُنَ تَرْشِيشَ لِكَيْ تَذْهَبَ إِلَى أُوفِيرَ لأَجْلِ الذَّهَبِ، فَلَمْ تَذْهَبْ، لأَنَّ السُّفُنَ تَكَسَّرَتْ فِي عِصْيُونَ جَابِرَ
سفر الملوك الأول (٢٢: ٤٨-٤٧)
وفيما يتعلق بالحملة اليهودية على مؤاب، حيث يذكر امتلاء وادي الحسا / زارد بالماء، فإننا نرى أن هذا المطر ليس نبؤة أو استجابة لدعاء، بل هو ظاهرة طبيعية معتادة في المنطقة الصحراوية التي تتعرض للسيول والفيضانات. هذه السيول حدثت نتيجة عاصفة رعدية على الهضبة العليا، وهي ظاهرة تحدث بشكل مفاجئ في الوديان وتوجه المياه نحو وادي العربة، خاصة في أواخر الصيف وبداية الشتاء
ولكن، غالبًا ما يرى اليهود في مثل هذه الظواهر الطبيعية أنها نبؤات وخدمة لبني إسرائيل، ويعتقدون بتفوقهم باعتبارهم “شعب الله المختار”. رغم ذلك، القرآن يصفهم بأنهم ضالون ومغضوب عليهم، وقد ضربت عليهم الذلة والمسكنة
من خلال هذا، نلاحظ أن المعارك جرت في نهاية فصل الربيع وبداية فصل الصيف، حيث يكون النهار أطول وهو أمر مهم لقطع المسافات الطويلة والرؤية النهارية للعدو، خاصة في هذه الفترة من السنة. كما أن المناطق الجنوبية قد تشهد خلال شهري أيار وأيلول وتشرين الأول والثاني عواصف مطرية غزيرة وغير متوقعة. أما الاحتمال الآخر، فيتمثل في ظهور المياه بطريقة معجزية أو عجائبية، وهو أمر غير مستبعد، رغم أن الدكتور أحمد عويدي العبادي لا يراه مناسبًا في هذه الحالة. فالمعجزات لا تقتصر على زمان أو مكان أو ظروف معينة
المراجع
د. احمد عويدي العبادي, حدد بن بدد يمنع النبي موسى من عبور الأردن