المملكة الأردنية الأدومية، جزء: ١٧ – نصوص المراسلات بين النبي موسى والملك الأردني حدد بن بدد
تسلط ضوء المراسلات التي جرت بين النبي موسى عليه السلام والملك الأدومي حدد بن بدد، على طلب بني إسرائيل المرور عبر أراضي أدوم الأردنية ورفض الملك السماح لهم بذلك، مما أدى إلى تغيير مسار رحلتهم. كما تسلط التفسيرات المختلفة لهذه الأحداث، بما في ذلك الأبعاد التاريخية والجغرافية المرتبطة بها
وأما نصوص المراسلات بين النبي موسى عليه السلام والملك الأردني حدد بن بدد، ملك الجبارين، كما وردت في العهد القديم
في سفر العدد الفصل / الأصحاح العشرون
وَأَرْسَلَ مُوسَى رُسُلًا مِنْ قَادَشَ إِلَى مَلِكِ أَدُومَ: «هكَذَا يَقُولُ أَخُوكَ إِسْرَائِيلُ: قَدْ عَرَفْتَ كُلَّ الْمَشَقَّةِ الَّتِي أَصَابَتْنَا (عد ٢٠: ١٤)
قادش: قرية الجبارين
إِنَّ آبَاءَنَا انْحَدَرُوا إِلَى مِصْرَ، وَأَقَمْنَا فِي مِصْرَ أَيَّامًا كَثِيرَةً وَأَسَاءَ الْمِصْرِيُّونَ إِلَيْنَا وَإِلَى آبَائِنَا (عد ٢٠: ١٥)
فَصَرَخْنَا إِلَى الرَّبِّ فَسَمِعَ صَوْتَنَا، وَأَرْسَلَ مَلاَكًا وَأَخْرَجَنَا مِنْ مِصْرَ. وَهَا نَحْنُ فِي قَادَشَ، مَدِينَةٍ فِي طَرَفِ تُخُومِكَ (عد ٢٠: ١٦)
طرف تخومك: أي في ولاية قادش الأدومية الأردنية
دَعْنَا نَمُرَّ فِي أَرْضِكَ لاَ نَمُرُّ فِي حَقْل وَلاَ فِي كَرْمٍ، وَلاَ نَشْرَبُ مَاءَ بِئْرٍ فِي طَرِيقِ الْمَلِكِ نَمْشِي، لاَ نَمِيلُ يَمِينًا وَلاَ يَسَارًا حَتَّى نَتَجَاوَزَ تُخُومَكَ (عد ٢٠: ١٧)
فَقَالَ لَهُ أَدُومُ: لاَ تَمُرُّ بِي لِئَلاَّ أَخْرُجَ لِلِقَائِكَ بِالسَّيْفِ (عد ٢٠: ١٨)
فَقَالَ لَهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ: فِي السِّكَّةِ نَصْعَدُ، وَإِذَا شَرِبْنَا أَنَا وَمَوَاشِيَّ مِنْ مَائِكَ أَدْفَعُ ثَمَنَهُ لاَ شَيْءَ أَمُرُّ بِرِجْلَيَّ فَقَطْ (عد ٢٠: ١٩)
فَقَالَ: لاَ تَمُرُّ وَخَرَجَ أَدُومُ لِلِقَائِهِ بِشَعْبٍ غَفِيرٍ وَبِيَدٍ شَدِيدَةٍ (عد ٢٠: ٢٠)
فقال: أي الملك حدد بن بدد
وخرج أدوم: أي الملك حدد على رأس جيش من أدوم والممالك الأردنية الأخرى
وَأَبَى أَدُومُ أَنْ يَسْمَحَ لإِسْرَائِيلَ بِالْمُرُورِ فِي تُخُومِهِ، فَتَحَوَّلَ إِسْرَائِيلُ عَنْهُ (عد ٢٠: ٢١)
أدوم: أي الملك حدد بن بدد
فَارْتَحَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ، الْجَمَاعَةُ كُلُّهَا، مِنْ قَادَشَ وَأَتَوْا إِلَى جَبَلِ هُورٍ (عد ٢٠: ٢٢)
جبل هور: وكان هذا الاسم يطلق على مناطق الحوريين شرقي وادي عربة وغربيه، والمقصود هنا تحركهم إلى الطور الغربي وليس الطور الذي في البتراء
أما في سفر القضاة الفصل / الأصحاح احدى عشر
وَأَرْسَلَ إِسْرَائِيلُ رُسُلًا إِلَى مَلِكِ أَدُومَ قَائِلًا: دَعْنِي أَعْبُرْ فِي أَرْضِكَ فَلَمْ يَسْمَعْ مَلِكُ أَدُومَ فَأَرْسَلَ أَيْضًا إِلَى مَلِكِ مُوآبَ فَلَمْ يَرْضَ فَأَقَامَ إِسْرَائِيلُ فِي قَادَشَ (سفر القضاة ١١ : ١٧)
وَسَارَ فِي الْقَفْرِ وَدَارَ بِأَرْضِ أَدُومَ وَأَرْضِ مُوآبَ وَأَتَى مِنْ مَشْرِقِ الشَّمْسِ إِلَى أَرْضِ مُوآبَ وَنَزَلَ فِي عَبْرِ أَرْنُونَ، وَلَمْ يَأْتُوا إِلَى تُخْمِ مُوآبَ لأَنَّ أَرْنُونَ تُخْمُ مُوآبَ (سفر القضاة ١١: ١٨)
وسار: أي بنو إسرائيل
في القفر: في أراضي ولاية قادش الصحراوية، وهي في سيناء التي كانت أدومية أردنية آنذاك
أرنون: وادي الموجب
ويرى د. أحمد عويدي العبادي أن عبارة “دار بأرض أدوم” تؤكد أن بني إسرائيل عبروا حول حدود أدوم، أي حدود الملك حدد بن بدد، ولم يدخلوها. كما أن هذا الدوران كان بعد التيه، وليس في زمن حياة الملك حدد ولا زمن حياة سيدنا موسى عليه السلام، حيث إن موسى عليه السلام والملك حدد قد ماتا في هذا الوقت، أي قبيل نهاية التيه بقليل، وبعدها صار أيسر على بني إسرائيل عبور أرض أدوم وموآب وبقية الأراضي الأردنية شرق النهر وغربيه
وفي سفر التثنية الفصل / الأصحاح الثاني
نجد وصفًا لحركة بني إسرائيل بعد خروجهم من التيه واستئناف مسيرتهم عبر الأراضي الأردنية باتجاه أرض كنعان، يخبرنا النص بأن بني إسرائيل ارتحلوا من برية فاران الأدومية، الواقعة في سيناء بالجزء الغربي من مملكة أدوم، ثم اتجهوا نحو بحر سوف، وهو البحر الأدومي/الأحمر، أي خليج العقبة، قبل أن يصعدوا مجددًا إلى قادش برنيع، التي تقع شرق فاران وغرب أدوم، ضمن أراضي أدوم الأردنية
وقبل وفاة موسى عليه السلام، حاول أن يحصل على إذن من ملك أدوم، حدد بن بدد، بالسماح لهم بالعبور شمالًا عبر الجبهة الغربية لأدوم، أي بمحاذاة ساحل البحر الأبيض المتوسط. لكن الملك رفض طلبهم، خاصةً أن بني إسرائيل كانوا سيواجهون عند تقدمهم الملك عارد/عراد، حليف حدد بن بدد، نتيجة لهذا الرفض، اضطر بنو إسرائيل إلى تغيير مسارهم، فرحلوا إلى الجنوب الشرقي، متجهين إلى جبل هور/الطور الغربي جنوب سيناء، وهو موقع يقع جنوب أدوم، حيث قضوا أربعين عامًا في التيه، متنقلين بين فاران وقادش وجبل هور
وأخيرًا، أمرهم الرب بالتحرك شمالًا إلى أرض الموعد عبر شرق الأردن، أي عبر ممالك أدوم، ومدين، ومؤاب، وحشبون، وعمون، وبيريا، وباشان. لكنهم لم يتمكنوا من العبور شمالًا بسبب مقاومة الملك حدد، الذي منع بني إسرائيل من اختراق بلاده، معتبرًا وجودهم تهديدًا لهويته وشرعيته، كما كان الحال مع حليفه فرعون
وَأَوْصِ الشَّعْبَ قَائِلًا: أَنْتُمْ مَارُّونَ بِتُخْمِ إِخْوَتِكُمْ بَنِي عِيسُو السَّاكِنِينَ فِي سِعِيرَ، فَيَخَافُونَ مِنْكُمْ فَاحْتَرِزُوا جِدًّا (سفر التثنية ٢: ٤)
تعني كلمة “مارون” هنا المرور، و”تخم” تعني الحدود، مما يوضح أن بني إسرائيل مروا بأطراف حدود أدوم. ويشير هذا إلى أن المديانيين سمحوا لهم بالمرور، بل وتآمروا على أبناء عمومتهم الأدوميين، لكن المديانيين دفعوا ثمن ذلك غاليًا، إذ تعرضوا للإبادة والنهب والسبي والاغتصاب على أيدي بني إسرائيل، ولم تشفع لهم مصاهرتهم لموسى عليه السلام، بل كانت ثقتهم بهذه المصاهرة سببًا في هلاكهم، وابتعادهم عن أبناء عمومتهم الأدوميين
كما يوضح النص أن مسار الارتحال كان عبر الجزء الشرقي من الأردن، بمحاذاة حدود أدوم الشرقية، عبر المناطق الواقعة بين أدوم ومدين، بعد وفاة الملك حدد وقيام ثورة المديانيين الانفصالية. وهذا المسار لم يكن داخل أراضي أدوم، بل على تخومها
واما الادعاء بأن الأدوميين هم أبناء عيسو، فقد تم تفنيده في عدة دراسات، حيث تبين أن اسم عيسو هو اسم وهمي ابتكره أحبار التوراة، وهو في الواقع تحريف يهودي لاسم “العيص” العربي الأدومي الأردني، وهو موقع أردني يطل على الطفيلة. كما أن الأدوميين استوطنوا المنطقة قبل الإسرائيليين بآلاف السنين. وعندما طلب موسى من الملك حدد بن بدد السماح له ولبني إسرائيل بالعبور بجوار حدود أدوم، أكد أنه لن يدخل أرضهم
لاَ تَهْجِمُوا عَلَيْهِمْ، لأَنِّي لاَ أُعْطِيكُمْ مِنْ أَرْضِهِمْ وَلاَ وَطْأَةَ قَدَمٍ، لأَنِّي لِعِيسُو قَدْ أَعْطَيْتُ جَبَلَ سِعِيرَ مِيرَاثًا (سفر التثنية ٢: ٥)
طَعَامًا تَشْتَرُونَ مِنْهُمْ بِالْفِضَّةِ لِتَأْكُلُوا، وَمَاءً أَيْضًا تَبْتَاعُونَ مِنْهُمْ بِالْفِضَّةِ لِتَشْرَبُوا (سفر التثنية ٢: ٦)
وهذه الوصية، وفقًا للتوراة، تمثل تعليمات إلهية لكيفية تعامل بني إسرائيل مع الأدوميين أثناء مرورهم بجانب حدود أدوم الشرقية. فقد تم منعهم من دخول الأرض، ولكن سمح لهم بشراء الطعام والشراب من تجار أدوم الذين قد يأتون إليهم، نظرًا لأن الطريق الذي سيسلكه بنو إسرائيل هو طريق تجاري، مما يجعل من الطبيعي أن يخرج بعض الأدوميين للتجارة على جانبي الطريق. وكان هذا الأمر مقبولًا لدى الملك حدد، لأنه يعزز الاقتصاد الأدومي
لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَكَ قَدْ بَارَكَكَ فِي كُلِّ عَمَلِ يَدِكَ، عَارِفًا مَسِيرَكَ فِي هذَا الْقَفْرِ الْعَظِيمِ. اَلآنَ أَرْبَعُونَ سَنَةً لِلرَّبِّ إِلهِكَ مَعَكَ، لَمْ يَنْقُصْ عَنْكَ شَيْءٌ (سفر التثنية ٢: ٧)
فَعَبَرْنَا عَنْ إِخْوَتِنَا بَنِي عِيسُو السَّاكِنِينَ فِي سِعِيرَ عَلَى طَرِيقِ الْعَرَبَةِ، عَلَى أَيْلَةَ، وَعَلَى عِصْيُونِ جَابِرَ، ثُمَّ تَحَوَّلْنَا وَمَرَرْنَا فِي طَرِيقِ بَرِّيَّةِ مُوآبَ (سفر التثنية ٢: ٨)
وهذا النص يؤكد أنهم على الأرجح لم يدخلوا أراضي أدوم، بل مروا بجوارها، مما يعزز الفرضية بأنهم تحالفوا مع مديان ضد أدوم، مقابل السماح لهم بالمرور بين أراضي الدولتين وفقًا للحدود السابقة قبل ضم مديان إلى أدوم
ونجد هنا أنهم يطلقون على وادي العربة اسمًا معرفًا بـ “أل”، وأن بني إسرائيل كانوا يبحثون عن طريق للخروج من التيه نحو البرية الأردنية، أي بادية الأردن الشرقية، التي تمتد شرق سلسلة الجبال الأردنية باتجاه جزيرة العرب. ويمكن تسمية هذه المنطقة اليوم بالبوادي الأردنية الواقعة شرق جبال الشراة ومؤاب والبلقاء، باتجاه شمال جزيرة العرب
أما الأب أنطونيوس فكري، فقد استند إلى فرضية غير مثبتة، وهي أن الأدوميين ينحدرون من عيسو، الذي يعد شخصية غير موجودة تاريخيًا، لكنه جزء من المعتقدات اليهودية والمسيحية. وكما أشرنا سابقًا، فإن اسم “عيسو” ما هو إلا تحريف لكلمة “العيص” العربية، التي كانت موطن النبي أيوب عليه السلام
يقول الأب أنطونيوس فكري: “دعا الرب بني عيسو إخوةً لبني إسرائيل، فعيسو هو شقيق يعقوب، لذا ينبغي عليهم أن يتذكروا ذلك وألا يعتدوا عليهم، رغم أن الله سيمنحهم مهابةً في أعين الجميع. وكلمة ‘احترزوا’ تعني أن يدركوا أن هذه المهابة والخوف مصدرهما الله، وليس قوتهم الذاتية، وهم ليسوا أحرارًا في الاعتداء على من يشاؤون
وَقَالَتْ لِلرَّجُلَيْنِ: عَلِمْتُ أَنَّ الرَّبَّ قَدْ أَعْطَاكُمُ الأَرْضَ، وَأَنَّ رُعْبَكُمْ قَدْ وَقَعَ عَلَيْنَا، وَأَنَّ جَمِيعَ سُكَّانِ الأَرْضِ ذَابُوا مِنْ أَجْلِكُمْ (سفر يشوع ٢: ٩)
أما ف “يطَعَامًا تَشْتَرُونَ مِنْهُمْ بِالْفِضَّةِ لِتَأْكُلُوا، وَمَاءً أَيْضًا تَبْتَاعُونَ مِنْهُمْ بِالْفِضَّةِ لِتَشْرَبُوا” (سفر التثنية ٢: ٦)، فإن ذلك يشير إلى أن شعب أدوم كان يتاجر مع بني إسرائيل ويحقق مكاسب مالية من الفضة التي كانت بحوزة الإسرائيليين، فإن وجود بني إسرائيل في منطقة أدوم كان يشكل مصدرًا مهمًا للدخل، حيث أصبحوا سوقًا نشطًا للبيع والشراء
المراجع
د. احمد عويدي العبادي, نصوص المراسلات بين النبي موسى عليه السلام والملك الأردني حدد بن بدد ملك الجبارين