المملكة الأردنية الأدومية، جزء: ٢٢ – هل صدقت نبوءات الكتاب المقدس عن البتراء وأدوم

لطالما شكلت مملكة أدوم محورًا بارزًا في نبوءات الأنبياء الإسرائيليين، حيث صورت كنموذج للدمار والخراب نتيجة عدائها لبني إسرائيل. وتصف النصوص الدينية مصيرها المحتوم، مشيرة إلى تحولها إلى أرض مهجورة تسكنها الوحوش، في إطار عقاب إلهي. في هذا السياق، نستعرض النبوءات الإسرائيلية التي تناولت أدوم ودورها في التاريخ الديني والسياسي للمنطقة

كانت أدوم بالنسبة لبني إسرائيل مملكة شريرة، شأنها شأن سائر الممالك الأردنية الأخرى، بل وأكثر من ذلك، إذ كانت مصدر إرهاب وخوف وإزعاج للممالك اليهودية وللشعب اليهودي وأنبيائهم. حتى أن ستة من أنبياء الإسرائيليين تكلموا ضدها، وهم: إشعياء، إرميا، حزقيال، يوئيل، عاموس، وعوبديا. كما أن النبوءات الإسرائيلية ضد أدوم كثيرة ودقيقة، وهدامة وحاقدة، ونورد هنا بعضًا منها

في سفر إشعياء ٣٤ (٧٨٣-٧٠٤ ق.م)، نجد النبوءات التالية

لِلرَبِّ سَيْفٌ قَدِ امْتَلَأَ دَمًا، اطَلَى بِشَحْمٍ، بِدَمِ خِرَافٍ وَتُيُوسٍ، بِشَحْمِ كُلَى كِبَاشٍ. لِأَنَّ لِلرَبِ ذَبِيحَةً فِي بُصْرَةَ وَذَبْحًا عَظِيمًا فِي أَرْضِ أَدُومَ (بصرة هنا هي بصيرا، العاصمة الرئيسة للأدوميين آنذاك)

“وَيَسْقُطُ الْبَقَرُ الْوَحْشِيُّ مَعَهَا والْعُجُولُ مَعَ الثِّيرَانِ، وَتُرْوَى أَرْضُهُمْ مِنَ الدَمِ، وَتُرَابُهُمْ مِنَ الشَّحْمِ يُسَمَنُ”

“لَيْلًا وَنَهَارًا لَا تَنْطَفِئُ، إِلَى الْأَبَدِ يَصْعَدُ دُخَانُهَا، مِنْ دَوْرٍ إِلَى دَوْرٍ تُخْرَبُ، إِلَى أَبَدِ الْآبِدِينَ لَا يَكُونُ مَنْ يَجْتَازُ فِيهَا”

“وَيَطْلَعُ فِي قُصُورِهَا الشَوْكُ، الْقَرِيصُ وَالْعَوْسَجُ فِي حُصُونِهَا، فَتَكُونُ مَسْكَنًا لِلذِئَابِ وَدَارًا لِبَنَاتِ النَعَامِ”

“وَتُلَاقِي وُحُوشُ الْقَفْرِ بَنَاتِ آوَى، وَمَعْزُ الْوَحْشِ يَدْعُو صَاحِبَهُ، هُنَاكَ يَسْتَقِرُّ اللَيْلُ وَيَجِدُ لِنَفْسِهِ مَحَلًا”

“هُنَاكَ تُحْجِرُ النَكَازَةُ -وهي نوع من الحيّات- وَتَبِيضُ وَتُفْرِخُ وَتُرَبِي تَحْتَ ظِلِهَا، وَهُنَاكَ تَجْتَمِعُ الشَوَاهِينُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ”

في سفر إرميا ٤٩ (٦٢٦-٥٨٦ ق.م)

“وَتَصِيرُ أَدُومُ عَجَبًا، كُلُ مَارٍّ بِهَا يَتَعَجَبُ وَيَصْفِرُ بِسَبَبِ كُلِّ ضَرَبَاتِهَا”

“كَانْقِلَابِ سَدُومَ وَعَمُورَةَ وَمُجَاوَرَاتِهِمَا، يَقُولُ الرَّبُ، لَا يَسْكُنُ هُنَاكَ إِنْسَانٌ، وَلَا يَتَغَرَّبُ فِيهَا ابْنُ آدَمَ”

في سفر حزقيال ٢٥ (٥٩٢-٥٧٠ ق.م)

لِذَلِكَ هَكَذَا قَالَ السَيِدُ الرَبُّ: وَأَمُدُ يَدِي عَلَى أَدُومَ وَأَقْطَعُ مِنْهَا الْإِنْسَانَ وَالْحَيَوَانَ، وَأُصَيِّرُهَا خَرَابًا، مِنَ التَيْمَنِ وَإِلَى دَدَانَ يَسْقُطُونَ بِالسَيْفِ

“وَأَجْعَلُ نَقْمَتِي فِي أَدُومَ بِيَدِ شَعْبِي إِسْرَائِيلَ، فَيَفْعَلُونَ بِأَدُومَ كَغَضَبِي وَكَسَخَطِي، فَيَعْرِفُونَ نَقْمَتِي يَقُولُ السَيِدُ الرَبُّ”

في سفر حزقيال ٣٥

“لأنَهُ كَانَتْ لَكَ بُغْضَةٌ أَبَدِيَةٌ، وَدَفَعْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى يَدِ السَيْفِ فِي وَقْتِ مُصِيبَتِهِمْ، وَقْتِ إِثْمِ النِهَايَةِ”

“لِذَلِكَ حَيٌ أَنَا يَقُولُ السَيِدُ الرَبُّ: إِنِي أُهَيِّئُكَ لِلدَمِ، وَالدَمُ يَتْبَعُكَ. إِذْ لَمْ تَكْرَهِ الدَمَ، فَالدَمُ يَتْبَعُكَ”

“لِذَلِكَ، فَأَجْعَلُ جَبَلَ سَعِيرَ خَرَابًا وَمُقْفِرًا، وَأَسْتَأْصِلُ مِنْهُ الذَاهِبَ وَالْآئِبَ (أي العائد من الإياب)”

في هذه النبوءات نرى الحقائق التالية، التي جاءت من تمنيات الأنبياء ضد المملكة الأردنية الأدومية

أدوم تصير خراباً (إشعياء ٣٤: ١٣)

لن تسكن للأبد (إرميا ٤٩: ١٨)

يهزمها الوثنيون (حزقيال ٢٥: ١٤)

تهزمها إسرائيل (حزقيال ٢٥: ١٤)

تاريخها دموي (حزقيال ٣٥: ٥، ٦، إشعياء ٣٤: ٦، ٧)

تخرب أدوم حتى مدينة التيمن (تيماء في ديار ثمود) (حزقيال ٢٥: ١٣)

تسكنها الحيوانات المتوحشة (إشعياء ٣٤: ١٣-١٥)

تتوقف تجارتها (حزقيال ٣٥: ٧، إشعياء ٣٤: ١٠)

يتعجب الناظرون إليها (إرميا ٤٩: ١٧)
أي يتعجبون من خرابها بعد أن كانت مملكة عامرة وقوية ومزدهرة*

 هذه النبوءات المخيفة ضد أدوم سببها أنها ابتعدت عن الله، وآذت شعبه، أي أذت بني إسرائيل وقتلتهم شر تقتيل. وهذه النبوءات تفصيل للنبوة الأصلية في يوئيل ٣: ١٩-٢٠. وعندما يزور الناس موقع أدوم اليوم يندهشون من دقة تحقيق نبوة إشعياء ٣٤

 كما أن أدوم كانت تشمل مملكة ددان وتيماء “لِذلِكَ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: وَأَمُدُّ يَدِي عَلَى أَدُومَ، وَأَقْطَعُ مِنْهَا الإِنْسَانَ وَالْحَيَوَانَ، وَأُصَيِّرُهَا خَرَابًا. مِنَ التَّيْمَنِ وَإِلَى دَدَانَ يَسْقُطُونَ بِالسَّيْفِ” (سفر حزقيال ٢٥ : ١٣), اختلف المؤرخون في تحديد ديار “التَيْمَنِ”، فمنهم من قال إنها اليمن، ومنهم من قال إنها تيماء. وهذا الاختلاف شبيه بتحديد موقع “فاران”، فمنهم من قال إنها مكة المكرمة، ومنهم من قال إنها جبال سيناء الأدومية. ويرى المؤلف د. أحمد عويدي العبادي أن التيمن هي تيماء وهي اليمن، حيث كان تشابه أو تطابق الأسماء سائداً عند الأدوميين، مع اختلاف مواقعها، مثل بصيرا مع بصرى حوران، وقادس مع قادس برنيع، وفاران أدوم مع فاران الحِجْر

وهنا يتكرر الأمر مرة أخرى في كلمة “التَيْمَنِ”، ونحن نرى أنها تعني تيماء واليمن معاً، وأن التمييز بينهما يأتي من خلال السياق، وفي كلتا الحالتين فإن تيماء جزء من المملكة الأدومية

والحقيقة أن هذه دعوات أنبياء بني إسرائيل بإجماعهم ضد الممالك الأردنية، التي أذاقت اليهود السم الزعاف، وقتلت منهم عشرات الآلاف، وكانت الأردن مقبرة لهم، كما كانت مقبرة لكل الغزاة والمحتلين على مدى العصور والقرون، سواء طال أمد الاحتلال أم قَصُر

لا يوجد نبي من بني إسرائيل إلا وكان يدعو على الأردن وممالكها وأهلها، وقد تعذر على بني إسرائيل خلق ممالك عميلة وحكام عملاء على الأرض الأردنية عبر التاريخ، قبل القرن العشرين

نبوءة على أدوم في سفر إشعياء
وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ دُومَةَ: صَرَخَ إِلَيَّ صَارِخٌ مِنْ سَعِيرَ: «يَا حَارِسُ، مَا مِنَ اللَّيْلِ؟ يَا حَارِسُ، مَا مِنَ اللَّيْلِ؟ (إسفر إشعياء  ٢١ : ١١)
قَالَ الْحَارِسُ: أَتَى صَبَاحٌ وَأَيْضًا لَيْلٌ. إِنْ كُنْتُمْ تَطْلُبُونَ فَاطْلُبُوا. ارْجِعُوا، تَعَالَوْا (إسفر إشعياء  ٢١ : ١٢)

نبوءة بشأن شبه الجزيرة العربية سفر إشعياء
 وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ بِلاَدِ الْعَرَبِ: فِي الْوَعْرِ فِي بِلاَدِ الْعَرَبِ تَبِيتِينَ، يَا قَوَافِلَ الدَّدَانِيِّينَ
هَاتُوا مَاءً لِمُلاَقَاةِ الْعَطْشَانِ، يَا سُكَّانَ أَرْضِ تَيْمَاءَ. وَافُوا الْهَارِبَ بِخُبْزِهِ
فَإِنَّهُمْ مِنْ أَمَامِ السُّيُوفِ قَدْ هَرَبُوا. مِنْ أَمَامِ السَّيْفِ الْمَسْلُولِ، وَمِنْ أَمَامِ الْقَوْسِ الْمَشْدُودَةِ، وَمِنْ أَمَامِ شِدَّةِ الْحَرْبِ
فَإِنَّهُ هكَذَا قَالَ لِيَ السَّيِّدُ: فِي مُدَّةِ سَنَةٍ كَسَنَةِ الأَجِيرِ يَفْنَى كُلُّ مَجْدِ قِيدَارَ
وَبَقِيَّةُ عَدَدِ قِسِيِّ أَبْطَالِ بَنِي قِيدَارَ تَقِلُّ، لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَ إِسْرَائِيلَ قَدْ تَكَلَّمَ
(إسفر إشعياء  ٢١ : ١٣ – ١٧ )

لابد من القول هنا أن السيرة النبوية الشريفة ذكرت البتراء، وأنه تم بناء مسجد فيها أثناء غزوة تبوك عام ٩ هجري، لكن كتاب اليهود المقدس / التوراة لم يذكر اسم البتراء الأردنية بشكل صريح، لكن حاخاماتهم يعتمدون على فرضيات وأحداث تاريخية وأدلة مصنوعة من قبلهم، ويشيرون في نبوءاتهم وفي نصوصهم الدينية إلى أن أرض أدوم الأردنية دون غيرها ستكون موقع المعاناة الأخيرة قبل قيام الساعة في آخر الزمان

حيث يقولون في نبوءاتهم إن اليهود سيهربون من أرض اليهودية القدس سائرين على الأقدام عبر سلسلة الجبال الواقعة إلى غرب البحر الميت باتجاه الجنوب حيث المدينة المحصنة البتراء كمدينة اللجوء التي سيحتمون فيها قبل أن يأتي المسيح الدجال بجيوشه الشيطانية من كافة الجهات باستثناء الشرق حيث الأردن؟ وأنه لا يستطيع اختراق الأردن لأنها مقدسة ومباركة في جميع الأديان

الأردن

أرض مقدسة ومباركة في جميع الأديان

وهم يتوهمون أن الله خاطب سيدنا موسى في جبالها، وأنه يوجد فيها أهم وأثمن سر في تاريخ بني إسرائيل، وهو تابوت العهد الذي يحتوي على الوصايا العشر التي أعطاها الله لسيدنا موسى، وبعض ما ترك موسى، بالإضافة إلى عصا أخيه هارون، وأشار إليه القرآن الكريم: “وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة. إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين” ٢٤٨ سورة البقرة

ويعملون ما وسعهم الجهد لإثبات حقهم الوهمي في المناطق التاريخية والأثرية الأردنية في بلاد أدوم البتراء وما حولها، لذلك فإنهم يبذلون جهودهم الحثيثة لتهويد البتراء بشتى الأساليب الممكنة، من تزوير الآثار وشراء الأراضي وسرقة الموجودات، ويدعون أن البتراء إرث يهودي، رغم أنه تم البدء بنحتها زمن الحوريين أي ١٢٠٠٠ سنة قبل الميلاد قبل سيدنا إبراهيم بأكثر من عشرة آلاف سنة

المراجع

د. احمد عويدي العبادي , هل صدقت نبوءات الكتاب المقدس – البتراء وأدوم

Previous:
المملكة الأردنية الأدومية، جزء: ١٤ – إصلاحات الملك حدد بن بدد وانجازاته وقناة البحرين
Next:
المملكة الأردنية الأدومية، جزء: ١٣ – إنجازات الملك الأدومي المؤسس حدد بن بدد