المملكة الأردنية الأدومية، جزء: ٣ – الآثار والمواقع الأثرية

تشكل آثار مملكة أدوم الأردنية شاهدًا على مملكة مزدهرة تركت بصمتها رغم تحديات الطبيعة والزمن. ورغم قلة التنقيبات الأثرية، فقد أسفرت عن اكتشاف مواقع مهمة مثل بصيرا وتل الخليفة وأم البيارة، التي تعكس تطور الأدوميين في العمارة والتجارة. كما كشفت الأختام والنقوش الأدومية عن ملامح من نظام الحكم والحياة الاقتصادية والاجتماعية في تلك الحقبة

آثار مملكة أدوم الأردنية

منذ مطلع العقد الثالث من القرن العشرين، باشرت البعثات الأوروبية بإجراء مسوحات أثرية شاملة على امتداد الجغرافيا الأردنية. ومع ذلك، فإن عمليات التنقيب الدقيقة لا تزال محدودة نسبياً، فيما ظل التركيز على الحضارات الأردنية القديمة غير كافٍ. نتيجة لذلك، نجد ندرة نسبية في المواقع الأثرية التي تعود إلى تلك الحضارات. تعاقب الدول والحضارات على المنطقة أسهم في اندثار العديد من المواقع الأثرية، إما بسبب الهدم والتخريب، أو نتيجة البناء والعمران فوقها

تتميز مملكة أدوم الأردنية بخصوصية جغرافية وتضاريس وعرة تجعل التنقيب في مناطقها الجبلية تحدياً صعباً. كما أن الظروف البيئية القاسية التي تتعرض لها أراضي أدوم أدت إلى اندثار العديد من مواقعها الأثرية. ورغم هذه العوائق، استطاع هذا البحث جمع أبرز المعلومات المتوفرة عن آثار مملكة أدوم الأردنية، بما في ذلك المواقع الأثرية، الأبنية، والنقوش

ورغم التحديات المرتبطة بالتنقيب في منطقة أدوم، تمكنت بعض البعثات الأثرية من تحقيق اكتشافات مهمة تشمل بقايا المدن القديمة، الحصون، والمواقع الدينية التي تسلط الضوء على عظمة الحضارة الأدومية. تسهم هذه المكتشفات في تقديم رؤية أعمق حول أسلوب حياة الأدوميين، علاقتهم مع الشعوب المجاورة، ودورهم المحوري في التجارة الإقليمية

مبخرة فخارية أدومي
Ienkozki , piotr (1996) The art of Jordan , UK

المواقع الأثرية

موقع بصيرة – بصيرا

يقع موقع بصيرة (بصيرا) في محافظة الطفيلة، ويعتقد أنه كان عاصمة مملكة أدوم الأردنية. أبدع الأردنيون الأدوميون في بناء هذه المدينة، التي تعتبر شاهداً على فترة من الازدهار والرفاهية عاشتها مملكة أدوم الأردنية، خاصة خلال القرن السابع قبل الميلاد، عندما بلغت علاقاتها مع الإمبراطورية الآشورية ذروتها

:تنقسم مدينة بصيرة الأدومية الأردنية إلى ضاحيتين رئيسيتين

الضاحية العليا التي تضم الحرم المقدس أو المعبد، بالإضافة إلى القصر الملكي

الضاحية السفلى التي تحتوي على المباني العامة والمنازل العادية

يعكس هذا التصميم الفريد تطوراً كبيراً وصل إليه الأدوميون، ويبرز التمايز الطبقي بين مختلف فئات المجتمع. يتجلى هذا التمايز في اختلاف أنماط المنازل، حيث يبرز القصر الملكي كأحد المعالم الرئيسية، إلى جانب مساكن علية القوم من قادة سياسيين وعسكريين ورجال دين وكبار التجار، مقارنة بمنازل عامة السكان من صغار التجار والموظفين والمزارعين

موقع بصيرة – بصيرا

موقع تل الخليفة الأثري

يقع تل الخليفة في شمال رأس خليج العقبة، ويعتقد أنه يمثل موقع عصيون جابر الأدومي، الذي كان يُستخدم كمرفأ للسفن الأدومية الأردنية ومركزاً تجارياً هاماً، خاصة في تعاملاته مع الإمبراطورية المصرية

تم بناء مدينة تل الخليفة على هيئة سور مربع مزدوج يحيط بالمباني، وتضم أربع بوابات صممت بأسلوب يشبه بوابات الحصون. وتشير المكتشفات الأثرية في الموقع إلى مستوى عالٍ من التطور والازدهار، حيث يبدو أن سكان المدينة الأردنيين الأدوميين كانوا يتمتعون بالثراء، وهو ما تؤكده العثور على العديد من الحلي الذهبية المصنوعة في مصر

يعزى هذا الازدهار إلى مكانة تل الخليفة كمركز تجاري رئيسي، يعتقد أنه كان الأهم في تصدير النحاس المستخرج والمعالج في وادي عربة، وهي حرفة أبدع فيها الأردنيون الأدوميون

موقع أم البيارة الأثري

يقع موقع أم البيارة الأثري في قرية صغيرة تتمركز على قمة وعرة محصنة طبيعياً، وتطل على مدينة البترا، عاصمة الأردنيين الأنباط، من الناحية الغربية. اشتهر سكان القرية بصناعة النسيج، ما أضفى عليها أهمية تاريخية كبيرة

يبرز الموقع بأهميته نظراً لاكتشاف أول ختم ملكي أدومي فيه، يعود للملك الأردني الأدومي قوس جبر. كما عثر في الموقع على قطع أثرية مميزة، مثل وزنات تحمل علامات تشير إلى أوزانها، مما يعكس طبيعة التجارة ونظام البيع والشراء الذي كان سائداً لدى الأردنيين الأدوميين، بالإضافة إلى وجود وحدات قياس دقيقة للأوزان

أما الأبنية السكنية في الموقع، فقد اتسمت بالبساطة، إذ شيدت باستخدام الحجارة المحلية، واستندت إلى الأرضية الحجرية الطبيعية، ما يعكس اندماج التصميم المعماري مع طبيعة المكان

موقع أم البيارة الأثري

النقوش الأدومية الأردنية

حتى الآن، لم تكشف التنقيبات الأثرية في مملكة أدوم الأردنية عن نصوص أدومية كبيرة توضح بشكل دقيق طبيعة الكتابة الأدومية الأردنية. ومع ذلك، تم العثور على عدد من الأختام الأدومية وبعض الكتابات الفخارية التي تضمنت في معظمها أسماء أشخاص

طبعة ختم أم البيارة

تمثل هذه الطبعة ختمًا مصنوعًا من الطين الرمادي، وهي مقسمة إلى ثلاث خانات. تحتوي الخانة الوسطى على رسم لأسد مجنح يتحرك نحو اليمين، بينما تضم الخانة الأولى نقشًا كتابيًا يحمل عبارة “قوس جبر”، والخانة الأخيرة نقشًا يحمل عبارة “ملك أدوم”. يُعد هذا الختم الوحيد في المنطقة الذي يحمل طابعًا ملكيًا يعود إلى العصور الحديدية

طبعة ختم تل الخليفة

:تم العثور على طبعة ختم على جرار وأواني طبخ فخارية في موقع تل الخليفة. يتكون الختم من سطرين

السطر الأول: (ل ق و س ع ن ل) ويُفسَّر بأن الختم يعود إلى “قوس عن”، وهو اسم علم يعني قوس أجاب
السطر الثاني: (ع ب د ه م ل ك) ويعني خادم الملك

طبعة ختم أدومي- موقع تل خليفة 
Gluek 1938: Fig.6

ختم بصيرة

عُثر على ختم أدومي في مدينة بصيرة، وهو يتألف من أربع خانات. في الخانة العلوية يظهر نقش يمثل أبراجًا وبوابات، وهو تعبير رمزي عن مدينة بصيرة. أما الخانات الثلاث التالية فتشير إلى اسم موظف. يبدأ السطر الأول بالنقش (ل م ل ك ل)، والذي يُفسر بمعنى “هذا الختم يخص – ملك ل”. بينما السطران الثاني والثالث لم تُفسر معانيهما بدقة بعد، وهما على التوالي: (ب ع ع ب د) و(ه م ل ك)

ختم البترا

ختم أدومي دائري الشكل، مصنوع من حجر أحمر صغير، عثر عليه في البترا. يتضمن الختم نقشًا مكونًا من سطرين

السطر الأول (ل ب ع ز ر أ ل)، ويعني “هذا الختم يخص بعل إيل
السطر الثاني (ع ب د ي ب ع ل)، فيُترجم إلى “عبدي بعل”، وهو اسم علم مركب

المراجع

إرث الأردن, آثار مملكة أدوم الأردنية
د. زيدان عبد الكافي كفافي ، تاريخ الأردن وآثاره في العصور القديمة ( العصور البرونزية و الحديدية) ، دار ورد ، عمان
د. خير نمر ياسين، الأدوميون، الجامعة الأردنية ، عمان

Previous:
المملكة الأردنية الأدومية، جزء: ٢ – النشأة والتأسيس
Next:
المملكة الأردنية الأدومية، جزء: ٤ – الحدود والمدن