المملكة الأردنية الأدومية، جزء: ٥ – الديانة الأدومية
شهدت منطقة الأردن عبر العصور تطورًا دينيًا وميثولوجيًا متأثرًا بالبيئة والطبيعة الاجتماعية لشعوبها. وقد كشفت الحفريات الأثرية عن دلائل تشير إلى وجود طقوس دينية منذ عصور ما قبل التاريخ، حيث لعبت الزراعة والاستقرار دورًا محوريًا في تشكيل هذه المعتقدات. ومن بين أبرز الممالك التي طورت منظومتها الدينية كانت مملكة أدوم الأردنية، والتي تميزت بعبادة آلهة متعددة، مثل الإله قوس، الذي استمرت عبادته حتى الفترات النبطية
تم العثور على دلائل تشير إلى وجود منظومات دينية وميثولوجية في الأردن منذ العصور ما قبل التاريخ، وذلك من خلال المسوحات والحفريات الأثرية التي جرت في مختلف مناطق المملكة. وقد تجلت هذه الدلائل في عدة مظاهر، مثل طرق الدفن، وصناعة التماثيل، واستخدام المباخر، وانتشار المذابح أو ما يشبهها. هذه المنظومات الدينية تطورت بشكل كبير مع التقدم الاجتماعي والسياسي لشعوب الأردن عبر مختلف مراحل التاريخ
من المؤكد أن سكان منطقة أدوم في جنوب الأردن قد طوروا منظومتهم الدينية بما يتناسب مع بيئتهم وطبيعتهم، كما عملوا على تطوير منظوماتهم الاجتماعية والسياسية والإنتاجية. ورغم وجود نقص في الحفريات الأثرية والدراسات المتعلقة بالممالك الأردنية القديمة بشكل عام، إلا أنه يمكننا تقديم لمحة عن الميثولوجيا والديانة التي كانت تمارس في مملكة أدوم الأردنية من خلال ما تم اكتشافه
تاريخ الميثولوجيا لدى الأردنيين الأوائل قبل نشوء مملكة أدوم الأردنية
غالبًا ما استمدت الشعوب القديمة مفاهيمها الدينية من محيطها الطبيعي، حيث تطورت أديان تلك الشعوب لتجيب على الأسئلة الوجودية التي شغلت الإنسان القديم، ولتقديم تفسيرات لظواهر كانت تفوق قدرات العقل البشري في تفسيرها آنذاك. كما لعبت طبيعة الإنتاج الزراعي دورًا محوريًا في تشكيل الطقوس الدينية، إذ ارتبطت العديد من الشعائر بالزراعة وفترات الحصاد
أما بالنسبة للأردنيين الأوائل، فلم يختلفوا في ذلك عن بقية البشر في تلك الحقب الزمنية، فقد بدأ الوعي الديني يتشكل لديهم مع بداية الاستقرار الزراعي في حوالي ٩٠٠٠ قبل الميلاد. في تلك الفترة، كانت المفاهيم الدينية بسيطة، وكانت ترتبط بشكل أساسي بعادات الدفن. ويعتقد أن الجذور الأولى للمعتقدات الدينية كانت تتعلق بتفسير بعض الظواهر الطبيعية، لا سيما المطر الذي كان يعد المصدر الرئيسي لري المزروعات، حيث كانت الزراعة في بداياتها بسيطة وغير متطورة
ومع مرور الوقت، استمر الأردنيون الأوائل في تطوير مفاهيمهم الدينية، جنبًا إلى جنب مع تقدمهم في مجال الإنتاج، حتى وصلت هذه المنظومة الدينية إلى مراحل متطورة في العصور البرونزية. وفي حقبة “الدولة المدينة”، أظهرت الحفريات الأثرية التي أجريت في تلك الفترة وجود معابد داخل المدن الأردنية القديمة. مع نمو المدن وتطورها، أصبحت المجتمعات الأردنية القديمة مجتمعات طبقية نتيجة لحالة المدنية والإنتاج الفائض، حيث برزت طبقة رجال الدين كطبقة منفصلة ومتسيدة. وتشير الأدلة إلى أن رجال الدين في تلك الفترة كانوا يضطلعون بدور إداري داخل المدن، مما يعكس تأثيرهم الكبير على تنظيم المجتمع
الديانة الأردنية الأدومية
على الرغم من ندرة اللقيات الأثرية الكتابية التي تروي تفاصيل ديانة الأردنيين الأدوميين، إلا أن أسلوب بناء المعابد، بالإضافة إلى التشابه في الظروف الطبيعية وطرق الإنتاج، يشير إلى أن ديانة الأدوميين لم تكن تختلف بشكل كبير عن ديانة الأردنيين المؤابيين والعمونيين. كما كانت مشابهة إلى حد بعيد لجميع الديانات المنتشرة في المنطقة خلال تلك الحقبة
تتكون المعابد الأدومية من مبنى واحد يضم ثلاث حجرات، يقع خلفها ساحة واسعة تضم المذبح والعديد من المباخر. وجد في هذه المعابد تماثيل تمثل البشر والآلهة والحيوانات، وكانت تماثيل الآلهة تشترك في سمات مع آلهة أخرى كانت تعبد في المنطقة، مثل الإله عزوزو الذي يصور على شكل رجل يمتطي فرساً، ما يدل على أنه إله للحرب
هذا يشير إلى أن الأدوميين عبدوا العديد من الآلهة، كل منها يحمل وظيفة أو صفة معينة، مثل آلهة الحرب، الخصب، الشتاء، وغيرها من الآلهة المرتبطة بحياة الأردنيين الأوائل اليومية. كما تم العثور على نقوش أدومية تحمل أسماء آلهة مثل بعل، إيل، حدد، عشتار، وهي آلهة مشتركة في المنطقة. إضافة إلى ذلك، كان الأدوميين يمارسون عادة الختان التي كانت مرتبطة بالطقوس الدينية السائدة في تلك الحقبة
وشم طويلان
وشم طويلان هو نقش تم العثور عليه على حجر في منطقة طويلان. يتكون من نجمة داخل هلال موضوع على عمود، وتحيط بالعمود شجرتان. يعتقد أن هذا الوشم يمثل رمزًا للإله سن، إله القمر الذي كان يعبد في أنحاء منطقة الشرق القديم
الإله قوس
يعتقد أن الإله قوس كان الإله الأهم أو الرئيس لدى الآدوميين في الأردن. يعتقد أنه إله أردني انتشرت عبادته في مناطق جنوب الأردن، وخاصة على ضفاف وادي عربة
تصوير نبطي للإلهة أترعتا، ويعتقد أن النسر الموجود على رأسها هو رمز للإله قوس
وقد تم العثور على اسم قوس مرتبطاً بعدد من ملوك أدوم، وهو أسلوب شائع في اللغات السامية حيث يتم دمج اسم الإله مع اسم الملك. فمثلاً، وجد اسم “قوس ملك” وهو اسم ملك أدومي حكم في فترة الملك الأشوري تجلات بلاسر الثالث. كما ورد اسم “قوس جابري” وهو ملك أدومي عاصر الملكين الأشوريين أسرحدون وآشوربانيبال. وظهر اسم قوس أيضاً في عدد من النقوش المختلفة. استمرت عبادة الإله قوس حتى بعد سقوط الدولة الأدومية، لكن بشكل أقل تأثيراً، حيث تم العثور على نقوش نبطية تحمل اسم الإله قوس في جبل التنور جنوب الأردن وفي بصرى النبطية
المراجع
إرث الأردن, ملامح الديانة الأردنية الأدومية
د. زيدان عبدالكافي كفافي، الأردن في العصور الحجرية، مؤسسة آل البيت، عمان