المملكة الأردنية الأدومية، جزء: ٦ – ملامح النشاط الاقتصادي
لعب النشاط الاقتصادي دورًا محوريًا في ازدهار مملكة أدوم الأردنية، حيث تنوعت أنشطتهم بين الرعي والزراعة والتجارة والصناعة. تأثرت هذه القطاعات بطبيعة الأرض والموقع الجغرافي، مما ساهم في تعزيز مكانتهم الاقتصادية. في هذا النص، سنتناول أبرز ملامح الاقتصاد الأدومي الأردني وتأثيره على استقرار المملكة ونموها
الرعي
بدأت أولى أشكال التجمع الإنساني اعتمادًا على الصيد والجمع والالتقاط، في تجمعات بسيطة ومحدودة العدد. هذه النواة البشرية شكلت الأساس لمرحلة جديدة ونقلة نوعية في التاريخ، حيث بدأ الإنسان في استئناس الحيوانات ورعيها. ومع مرور الوقت، نمت هذه التجمعات البشرية وتحولت إلى نظام قبلي، حيث استوطنت كل قبيلة منطقة محددة من الأرض وامتهنت الرعي. انتشر هذا النمط الاقتصادي بشكل خاص في البوادي المحاذية للصحراء، ولم يكن الأردنيون الأوائل مختلفين عن بقية شعوب العالم في اتباع هذا النمط من التطور
لعبت طبيعة أرض أدوم الأردنية دورًا أساسيًا في استمرار هذا النمط من الإنتاج، حتى مع قيام وازدهار مملكة أدوم الأردنية. فقد كانت هذه الأرض محاطة بالبوادي، مما جعلها مثالية لنشاط الرعي. إضافة إلى ذلك، فرضت الحاجة الأمنية وجود قبائل مرتحلة ومقاتلة لحماية حدود المملكة. كان محيط مملكة أدوم الأردنية محميًا بتجمعات عشائرية أردنية تخضع لسلطتها، تتولى الدفاع عن الحدود من الهجمات القادمة من الصحراء، وتأمين طرق التجارة. كما كانت هذه العشائر تسهم في الاقتصاد من خلال بيع منتجاتها مثل الألبان واللحوم والجلود والفراء والصوف للمدن والقرى الأدومية الأردنية
الزراعة
استوطن الأردنيون الأوائل من سكان منطقة أدوم حول مصادر المياه في العصور الحجرية، مما شكل نقلة نوعية في حياتهم. فقد تأسست أولى القرى، ودجن الأردنيون الأوائل الحيوانات، وبدأوا بممارسة الزراعة. وتوزعت ملكية الأراضي الزراعية بين الأفراد والعائلات في تلك القرى، التي أصبحت اللبنة الأولى للمدنية، حيث تطورت لاحقًا إلى مدن. استمرت هذه القرى في محيط المدن الأردنية الأدومية ولعبت دورًا حيويًا في دعم استقرار مملكة أدوم، إذ شكلت مصدرًا أساسيًا للغذاء في المملكة
مارس الأردنيون الأدوميون أشكالاً متنوعة من الزراعة وفقًا لطبيعة الأرض واحتياجاتهم. فقد قاموا بتربية الماعز والخراف والطيور الداجنة، وزرعوا الحبوب مثل القمح والشعير التي استخدموها كغذاء لهم وكعلف لحيواناتهم، معتمدين على مياه الأمطار لري محاصيلهم في المناطق السهلية. كما زرعوا البقوليات وأصنافًا مختلفة من الكروم والبساتين. وأظهرت الاكتشافات الأثرية جرارًا استخدمت لتخزين نبيذ العنب، مما يبرز تطور زراعتهم وإسهامها في حياتهم اليومية
التجارة
برع الأردنيون الأوائل في مجال التجارة على مر العصور، ويعزى ذلك بشكل كبير إلى الموقع الجغرافي المميز الذي جعل أراضيهم محوراً أساسياً لمرور القوافل التجارية
لقد امتهن الأردنيون الأدوميون التجارة، فجعلوها مصدر قوتهم الاقتصادية وازدهارهم. ولم يقتصر دورهم على حماية القوافل التجارية، بل كانوا أيضاً مبدعين في تسويق منتجاتهم المتنوعة وتصديرها إلى مناطق مثل مصر وآشور وغيرها. وقد ساهمت براعتهم في الوساطة التجارية والبيع والشراء في تراكم ثرواتهم، حيث لم يقتصروا على بيع منتجاتهم فقط، بل اشتروا بضائع من المناطق الشمالية وباعوها لتجار المناطق الجنوبية والعكس، كما قاموا بتسويق المنتجات المصرية بشكل كبير
كما كان لمرور الطريق الملوكي، الذي اعتبر الطريق الأهم في الشرق القديم، عبر أراضي الأدوميين الأردنيين أثر عظيم في تعزيز تجارتهم. هذا الطريق، في زمن الآشوريين، ساهم في ازدهار الحركة التجارية بشكل ملحوظ. كما استغل الأردنيون الأدوميون ميناء عصيون جابر بكفاءة عالية لخدمة تجارتهم، وخاصة في تصدير السبائك النحاسية، التي اشتهروا بصناعتها وإتقانها
الصناعة
النسيج
تم العثور على أدوات نسيج في العديد من المواقع الأثرية التابعة لمملكة أدوم الأردنية، حيث كشفت هذه الأدوات عن أهمية حرفة النسيج في حياة سكان المملكة. كما وجدت قرى بأكملها كان اقتصادها يعتمد بشكل رئيسي على إنتاج المنسوجات وبيعها. ومن اللافت أن المنسوجات الأردنية الأدومية لم تكن مقتصرة على التجارة الداخلية فقط، بل تجاوزت حدود المملكة، حيث تم تصديرها وبيعها للقوافل التجارية التي كانت تعبر أراضي أدوم الأردنية
النحاس
تعامل الأردنيون الأوائل مع النحاس في منطقة وادي عربة منذ القرن الحادي عشر قبل الميلاد، أي قبل ظهور مملكة أدوم الأردنية. ويرجع العديد من الباحثين أن النواة الأولى لتأسيس مملكة أدوم كانت في وادي فينان بوادي عربة، بالقرب من مناجم النحاس. فقد تطلب استخراج النحاس وتصنيعه وتحويله إلى سبائك قابلة للاستخدام والتجارة نظامًا اجتماعيًا معقدًا، إضافة إلى نشاطات اقتصادية داعمة لتأمين سبل العيش للعاملين في هذه المناجم
خربة النحاس في ضانا
7iber.com
لقد اعتبرت مملكة أدوم الأردنية لفترة طويلة واحدة من أهم مصادر النحاس في العالم القديم، حيث كانت صناعة وتجارة النحاس تشكل أحد أعمدة اقتصادها الأساسية. وتظهر الحفريات الأثرية المحيطة بمناجم النحاس الأدومية الأردنية أنه تم استخراج كميات هائلة من النحاس خلال فترة حكم المملكة، إذ عثر على أطنان من خبث النحاس بالقرب من هذه المناجم، مما يدل على النشاط المكثف في هذه الصناعة
المراجع
إرث الأردن, مملكة أدوم الأردنية- النشاط الاقتصادي
د. زيدان عبدالكافي كفافي، الأردن في العصور الحجرية، مؤسسة آل البيت، عمان