الثقافة الغسولية، جزء: ١ – تعريف الثقافة الغسولية
تُعد ثقافة الغسولية إحدى الحضارات البارزة التي ازدهرت خلال العصر النحاسي في منطقة غور الأردن. نشأت هذه الثقافة بين ٤٥٠٠ و ٣٥٠٠ قبل الميلاد وتميزت بابتكارات زراعية وتجارية متقدمة. كشفت التنقيبات الأثرية في موقع تل الغسول عن مجتمع متطور في مجال البناء والفن، مما يعكس تطورًا كبيرًا في الحياة اليومية والاجتماعية في تلك الفترة
الثقافة الغسولية كانت إحدى المجتمعات البارزة التي ازدهرت خلال العصر النحاسي في الفترة بين ٤٥٠٠ و ٣٥٠٠ قبل الميلاد. نشأت هذه الحضارة في منطقة تليلات الغسول الواقعة شمال شرق البحر الميت في غور الأردن، في الأردن. تُعد الثقافة الغسولية جزءًا أساسيًا من تاريخ الأردن القديم، حيث كشفت التنقيبات الأثرية عن مجتمع متقدم بثقافة غنية وابتكارات زراعية وتجارية ملحوظة
تليلات الغسول
تليلات الغسول هو موقع يتألف من عدة تلال صغيرة (تليلات، أي “تلال صغيرة”) تحتوي على بقايا العديد من القرى التي تعود إلى العصر الحجري الحديث والنحاسي في الأردن. يُعد الموقع نموذجًا لثقافة الغسولية التي ازدهرت في جنوب بلاد الشام خلال العصر الحجري الأوسط والمتأخر. يقع الموقع في وادي الأردن. كانت تليلة الغسول مأهولة لفترة طويلة نسبيًا خلال العصر الحجري النحاسي، حيث تم تحديد ٨ مراحل متعاقبة من الاستيطان، مع غلبة الثقافة الغسولية على معظمها
الموقع والخصائص
يشير مصطلح “الغسولية” إلى ثقافة أثرية مميزة، حيث تميزت هذه الفترة بوجود مستوطنات صغيرة سكنها مجتمع زراعي عاش في منازل فريدة. كان سكان الغسولية يقطنون في بيوت تحت الأرض أو في منازل شبه منحرفة من الطوب اللبن، التي كانت تُبنى غالبًا جزئيًا تحت سطح الأرض باستخدام بقايا منازل قديمة منهارة. وكانت هذه المنازل مزينة بلوحات جدارية متعددة الألوان، وأشهر الأمثلة عليها هي لوحة النجمة الغسولية
رسم لوحة النجمة الغسولية - موقع تليلات الغسول - الاردن
خصائص الثقافة الغسولية
المستوطنات
اتسمت مستوطنات الغسوليين بصغر حجمها وتفرقها النسبي، حيث كانت تتألف من مجموعات من المنازل المستطيلة المبنية من الطوب الطيني. غالبًا ما كانت هذه المنازل تُنظم حول أفنية داخلية، مما يعكس مستوى متقدمًا من الحرفية والإبداع المعماري
ويُعد تل الغسول موقعًا بارزًا ضمن هذه المستوطنات، نظرًا لحجمه وموقعه الاستراتيجي الذي أسهم في تعزيز الأنشطة الزراعية والتجارية في المنطقة
البيوت المستطيلة
تم العثور على مثل هذه البيوت في مواقع تليلات الغسول ، وفي موقع جبل سرطبة الذي يبعد حوالي ٢ كم إلى الشرق من موقع طبقة فحل. في موقع تليلات الغسول، كشفت الحفريات عن عدد من البيوت التي تراوحت أبعادها بين ٥ متر طولًا و ٥ متر عرضًا
بنيت الجدران باستخدام اللبن الطيني، حيث كان يتم وضعه مباشرة فوق سطح الأرض بعد تمهيدها، وكان أحيانًا يتم حفر خندق تأسيسي. في هذه الحالة، كان يُوضع صف أو صفان من الحجارة كأساسات، ومن ثم تُبنى الجدران فوقها باستخدام اللبن الطيني. أما السقوف فكانت تتكون من طبقة من الطين فوقها طبقة من أعواد القصب، بينما كانت الأرضيات مصنوعة من الطين المرصوص أو المقصورة، ووجدت أمام البيوت ساحات استخدمت لممارسة الأنشطة اليومية مثل الطهي والحرق، وهو ما يدل عليه المخلفات الأثرية التي عُثر عليها مثل الطوابين وكفر الخزين
غرف صغيرة - موقع تليلات الغسول - الاردن
البيوت ذات الجدار المنحني
تم اكتشاف هذا النوع من البيوت في موقع تليلات الغسول بالأردن، ويتميز بتصميم مستطيل، حيث يتسم أحد الجدران القصيرة بالانحناء. وكان هذا البيت هو الوحيد الذي تم العثور عليه بهذا الطراز في الموقع، وقد شُيد من اللبن الطيني
النظام الاجتماعي والاقتصادي
كان المجتمع الغسوليني يتميز بطابعه الزراعي المستقر، حيث اعتمد بشكل أساسي على زراعة الحبوب وتربية الماشية. وتشير الأدلة الأثرية إلى استخدام نظم ري متقدمة ساهمت في تعزيز الإنتاج الزراعي وضمان وفرة الغذاء للسكان. بالإضافة إلى ذلك، أظهرت الحفريات تطور الصناعات الحرفية في ذلك المجتمع، بما في ذلك صناعة الفخار والأدوات المعدنية
الاقتصاد
اعتمد اقتصاد الثقافة الغسولية بشكل كبير على الزراعة، حيث شملت زراعة القمح والشعير والبقوليات، إلى جانب تربية المواشي مثل الأغنام والماعز والأبقار. كما كانوا من أوائل الشعوب في المنطقة التي استخدمت الأدوات النحاسية، مما يعكس مرحلة الانتقال من العصر الحجري إلى العصر الحجري النحاسي
الدين وممارسات الدفن
تشير الأدلة الأثرية إلى أن حضارة الغسوليين كانت تمتلك معتقدات دينية معقدة. فقد تم العثور على معابد ومذابح مخصصة للعبادة، بالإضافة إلى تماثيل وأيقونات دينية، مما يدل على أن هذه المعابد كانت تشكل مراكز رئيسية للنشاط الديني والاجتماعي، حيث يتجمع الناس لأداء الطقوس والاحتفالات. تكشف الاكتشافات الأثرية أيضًا عن أن الغسوليين كانوا يمارسون طقوسًا دينية معقدة، ربما مرتبطة بمزارات وأماكن مقدسة، حيث تم العثور على قطع أثرية مثل المذابح والتماثيل التي تعتبر دلائل على النشاط الطقسي لديهم
أما فيما يتعلق بممارسات الدفن، فقد اشتملت على استخدام الجرار الفخارية لحفظ رفات الموتى، والتي غالبًا ما زُينت برموز تعكس اعتقادهم بالحياة بعد الموت
الفن والدين
تعد اللوحات الجدارية الملونة المكتشفة في تليلة الغسول من أبرز الاكتشافات المثيرة للإعجاب، وهي تعود إلى العصر النحاسي. وُجدت هذه اللوحات مرسومة على الجدران فوق طبقة من الجص (عندما وجدت هذه اللوحات كانت تعاني من حالة سيئة والعديد منها فُقد بمرور الزمن)، وتعتبر أكبر هذه اللوحات وأكثرها اكتمالًا لوحة ذات قطر يبلغ ١٫٨٤ مترًا، وتتميز بدقة عالية وحساسية فنية تعكس تقنية متقدمة في الرسم. ويُعتقد أن عملية الرسم قد تكون قد شملت استخدام أدوات قياس مثل المسطرة لرسم الخطوط المستقيمة بدقة
تصور بعض هذه الجداريات كائنات أسطورية، بينما تُظهر أخرى، وفقًا لآراء معينة، كهنة يرتدون أقنعة طقسية. وعلى الرغم من صعوبة تفسير المعاني الدقيقة لهذه الرسومات، إلا أنه يُرجح ارتباطها بالأساطير والمعتقدات الدينية لدى الغاسوليين. في أحد المنازل، اكتشف هينيسي عالم آثار أسترالي أكثر من ٢٠ طبقة من الجص، وضعت كل واحدة فوق الأخرى، وكل طبقة مغطاة برسومات فنية مميزة
التجارة والتفاعل
كانت الثقافة الغسولية جزءًا من شبكات تجارية واسعة النطاق، حيث قامت بتبادل السلع مثل النحاس والأصداف والمواد النادرة مع الثقافات المحيطة. وأسهم هذا التفاعل في تبادل الأفكار الثقافية ونشر الابتكارات التكنولوجية
أهمية تل الغسول
يعد تل الغسول الموقع النموذجي للثقافة الغسولية، حيث يوفر دلائل هامة حول الحياة في العصر الحجري النحاسي في الأردن وجنوب بلاد الشام. أظهرت الحفريات العديد من الإنجازات المعمارية والفنية لهذه الثقافة، بالإضافة إلى تكيفها مع الظروف البيئية القاسية لوادي الأردن. ويُعتقد أن الموقع، بفضل قربه من البحر الميت وموارده الطبيعية الأخرى، كان له دور كبير في تطور الثقافة والاقتصاد
الإرث
تمثل الثقافة الغسولية مرحلة مهمة في تاريخ البشرية، حيث كانت علامة على الانتقال من العصر الحجري الحديث إلى العصر البرونزي المبكر. وقد أرست إنجازاتها في التعدين والفن والتنظيم الاجتماعي الأساس للمجتمعات الأكثر تعقيدًا التي تبعتها في المنطقة
اليوم، تُعد بقايا الثقافة الغسولية شاهدًا على عبقرية وصمود المجتمعات القديمة في بيئة قاسية بجنوب بلاد الشام. وما زالت الأبحاث الأثرية الجارية تكشف عن تفاصيل جديدة حول حياتهم وتأثيرهم على الثقافات اللاحق
المراجع
Bourke, Stephen; Lawson, Ewan; Lovell, Jaimie Lea; Hua, Quan (January 2006). “The Chronology of the Ghassulian Chalcolithic Period in the Southern Levant: New 14C Determinations from Teleilat Ghassul, Jordan”
“Ghassulian culture”. Encyclopedia Britannica. Retrieved 2017-10-04
Bourke, S. J. (1997). The “Pre-Ghassulian” Sequence at Teleilat Ghassul: Sydney University Excavations 1975–1995. pp. 395–417 in H. G. K. Gebel, Z. Kafafi and G. O. Rollefson, eds. The Prehistory of Jordan, II: Perspectives from 1997 (Studies in Early Near Eastern Production, Subsistence, and Environment 4). Berlin: Ex Oriente
Lovell, J. L. (2001). The Late Neolithic and Chalcolithic Periods in the Southern Levant. New Data from the Site of Teleilat Ghassul, Jordan (Monographs of the Sydney University Teleilat Ghassul Project 1; BAR International Series 974). Oxford: British Archaeological Reports
Andie Byrnes, The Chalcolithic
كتاب الأردن في العصور الحجرية للدكتور زيدان كفافي , منشورات لجنة تاريخ الأردن , بيوت الأردن خلال الألف الرابع قبل الميلاد
Stephen J. Bourke, The Urbanisation Process in the South Jordan Valley: Renewed Excavations at Tulaylat al-Ghassul 1994/1995