المملكة الأردنية المؤابية، جزء: ١ – مقدمة في تاريخ مملكة مؤاب

مملكة مؤاب تعد واحدة من الممالك القديمة التي نشأت في الأردن، حيث تأسست في الألفية الثانية قبل الميلاد واستمرت حتى القرن الرابع قبل الميلاد. يتميز شعب مؤاب بتاريخه العريق وارتباطه بالأرض الأردنية، حيث أسسوا مملكة قوية امتدت لأكثر من ألفي عام. كانت مملكة مؤاب محورًا رئيسيًا في العديد من الصراعات التاريخية مع جيرانها، مما جعلها جزءًا لا يتجزأ من تاريخ المنطقة

المملكة الأردنية المؤابية

مملكة مؤاب كانت واحدة من الممالك القديمة التي نشأت في الأردن . تأسست المملكة المؤابية في الألفية الثانية قبل الميلاد واستمرت حتى القرن الرابع قبل الميلاد (٢٠٠٠  ق.م – ٤٠٠ ق.م)

الشعب المؤابي: تاريخ عريق ومملكة أردنية أصيلة

المؤابيون هم شعب عربي ثمودي أصيل، أسسوا واحدة من أقوى الممالك في تاريخ الأردن القديم واستمرت مملكتهم لأكثر من ألفي عام. ينحدر المؤابيون من عشائر أردنية متجذرة وُلدت من الإيميين، الذين بدورهم خرجوا من الروفائيين، وكلهم ينتمون إلى العرب الثموديين القدماء

كان الروفائيون أول من حكم منطقة الكرك وبنوا قلعتها الشهيرة، واستمر حكمهم لآلاف السنين. خلفهم في الحكم الإيميون الذين حافظوا على السلطة لفترات طويلة أيضًا، وكان هؤلاء الأقوام (الروفائيون والإيميون) يُعرفون باسم العماليق، ومن بقاياهم الجبارين
الذين ورد ذكرهم في القرآن الكريم على لسان جواسيس بني إسرائيل

حكم المؤابيون منطقة الكرك والمناطق المحيطة بها لأكثر من ثلاثة آلاف عام، وانتهى حكمهم حوالي خمسة قرون قبل الميلاد. في بداياتهم، خضعوا لسيطرة الإيميين، الذين كانوا بدورهم تحت حكم الروفائيين. وينتمي جميع هؤلاء إلى الشعوب العربية الثمودية الأردنية، مما يعكس استمرارية تاريخية في تسلسل الحكم بين شعوب عربية أصيلة في المنطقة

ممالك أقدم من عصر إبراهيم ولوط

بحكم أن المؤابيين، والأدوميين، والعمونيين جميعهم ينتمون إلى العرب الثموديين، فقد أسسوا ممالكهم قبل قدوم سيدنا إبراهيم وابن أخيه سيدنا لوط إلى أرض الأردن بألفيات عديدة. وبالتالي، فإن نشأتهم تعود إلى عصور أقدم بكثير من وجود إبراهيم ولوط عليهما السلام، ما يجعل تاريخهم سابقًا للأديان السماوية المعروفة

صراع المؤابيين مع بني إسرائيل

خاض المؤابيون الأردنيون صراعات طويلة مع بني إسرائيل استمرت لأكثر من ألف عام، الى ان اندثرت مملكة بني إسرائيل من ارض كنعان على ايدي البابليين. كانت العلاقة بين الشعبين عدائية بطبيعتها، وتعاون المؤابيون في تلك الصراعات مع المصريين، والآشوريين، والكلدانيين، إضافة إلى الممالك الثمودية المجاورة

المجتمع المؤابي وثقافته

استمر المجتمع المؤابي لأكثر من ألفي عام، وهي مدة حكم مملكتهم التي مرت بعدة مراحل تاريخية. تميز هذا المجتمع بملوكه وحروبه وطقوسه الدينية التي شملت عبادة آلهة متعددة. كانت لغتهم العربية الثمودية، وامتدت مملكتهم إلى عمق البادية الأردنية شرقًا، حيث أقاموا تحالفات مع الممالك الأردنية الثمودية الأخرى مثل (إدوم , عمون, سبأ الشمال “أدوماتو / الجوف”)

يُعتبر المؤابيون جزءًا أساسيًا من التاريخ الأردني القديم، حيث ساهموا في تشكيل حضارة تمتد جذورها إلى آلاف السنين، وظلت مؤثرة في المنطقة قبل العصور التوراتية وبعدها، من خلال تحالفاتهم وصراعاتهم مع الشعوب والممالك المحيطة

ملاحظة: يؤكد الدكتور أحمد عويدي العبادي أن الأدلة الأثرية المتوافرة حالياً لا تكفي لفهم الطريقة التي تأسست بها مملكة مؤاب الأردنية بدقة، وذلك بسبب قلة الحفريات الأثرية في أراضيها. ومع ذلك، فقد قمنا بتفسير نشأة المملكة استناداً إلى التحليل التاريخي والمعطيات التي ترتبط بعقلية الأردنيين وثقافتهم وسلوكياتهم، والمتأثرة بالبيئة والظروف المحيطة بهم. ويضيف أن الروايات التاريخية التي وصلتنا حول نشأة مملكة مؤاب، إلى جانب الأدلة الأثرية المكتشفة في المنطقة التي كانت مأهولة منذ عصور ما قبل التاريخ، تُسهم في تقديم صورة أوضح عن تاريخ هذه المملكة

اسم مؤاب وسبب التسمية

سبب تسمية مؤاب يرتبط بالأرض والشعب الذي عاش فيها، حيث أطلق اسم “مؤاب” على الحيز الجغرافي الذي كان خاضعًا لنفوذ الأردنيين المؤابيين. وقد مرت هذه المنطقة بمراحل تطور متعددة، عرفت خلالها بعدة أسماء، بدءًا من مملكة القلعة (قير حارسة، أي الكرك)، ثم مملكة المدينة (مدينة الكرك)، وصولًا إلى مملكة مؤاب، ومن ثم المملكة الأردنية المؤابية التي اتخذت من الكرك، ثم ذيبان، عاصمة لها. وقد سمي شعبها لاحقًا بـ شعب كموش نسبة إلى الإله الرئيسي للمؤابيين، وكان يُعرف الواحد منهم بـ المؤابي

تتعدد التفسيرات حول أصل التسمية؛ فبينما يذكر الدكتور زيدان كفافي بأن “مؤاب” مشتقة من الجذر “مآب” الذي يعني مكان غروب الشمس، يعتقد آخرون أن الاسم يعود إلى قبيلة أردنية قديمة سكنت هذه الأرض وأسست مملكة مؤاب الأردنية

بدأ المؤابيون تدريجيًا ببناء دولتهم، حيث انتقلوا من مرحلة (الحامية العسكرية) إلى نظام (دولة المدينة) ثم إلى (الدولة الوطنية). كان أهل المنطقة في البداية يعرفون باسم الأيميين، لكن مع تزايد الشعور الوطني لدى الأردنيين المؤابيين، سعوا إلى توحيد القبائل الأردنية البدوية المحيطة بهم ودمج سكان المنطقة ضمن مشروع دولة تهدف إلى تحقيق النمو والتطور والاستقرار، إضافة إلى الدفاع عن أراضيها في ظل الأطماع الخارجية التي كانت تهدد المنطقة

إن استخدام اسم مؤاب كعنوان للدولة يعكس الارتباط العميق بين المؤابيين وأرضهم الأردنية. فهذا الاسم يبرز حقيقة أن المؤابيين لم يكونوا طارئين على هذه الأرض، بل هم شعب نشأ وتطور فيها على مدار آلاف السنين، حتى انتقلوا من كونهم رعايا إلى تأسيس سلطة ودولة مستقلة

أهمية مملكة مؤاب

كانت مملكة مؤاب إحدى الممالك البارزة في تاريخ الشرق الأدنى القديم، وقد لعبت دورًا محوريًا في تشكيل الهوية التاريخية للمنطقة من خلال إرثها الديني وآثارها و شخصياتها القيادية التي تركت أثرًا دائمًا في مسار الصراعات والحضارات. و تُعد مملكة مؤاب من أبرز الممالك القديمة التي تركت بصمة مهمة في التاريخ القديم، وذلك لعدة عوامل أسهمت في إبراز مكانتها السياسية والاقتصادية والثقافية

الموقع الجغرافي الاستراتيجي
كان لمؤاب موقع متميز على طريق التجارة القديم الذي ربط بين شبه الجزيرة العربية وبلاد الشام، مما جعلها محطة تجارية مهمة تسهم في حركة البضائع والثقافات بين مختلف الحضارات في المنطقة

الإرث الثقافي والديني
لعبت مملكة مؤاب دورًا بارزًا في الحياة الثقافية والدينية للمنطقة، حيث ذُكرت في العديد من النصوص الدينية، بما في ذلك الكتاب المقدس، كجزء من أحداث تاريخية وقصص الأنبياء، مما يدل على أهميتها الروحية والتاريخية

الأحداث التاريخية
كانت مؤاب ساحة للعديد من الصراعات مع الممالك المجاورة، وخصوصًا مع إسرائيل ومملكة يهوذا، حيث وردت في النصوص التوراتية إشارات إلى الحروب التي خاضها المؤابيون دفاعًا عن أراضيهم واستقلالهم

النقوش والآثار
تركت مؤاب إرثًا أثريًا غنيًا، أبرزها نقش ميشع الشهير، الذي يُعد واحدًا من أهم النقوش التاريخية في المنطقة. يصف هذا النقش تفاصيل سياسية ودينية وحياتية عن مملكة مؤاب، مما يُضيء على طبيعة الحكم فيها وأسلوب حياة سكانها

الشخصيات التاريخية البارزة

الملك ميشع: وهو المحرر الباني الذي يعتبر من أبرز ملوك مؤاب، واشتهر بقيادته تمردًا ناجحًا ضد إسرائيل وتحرير مملكته من السيطرة الإسرائيلية. قام بإعادة بناء الدولة وبنيتها التحتية، بما في ذلك شق الطرق وتأمين مصادر المياه، بهدف تحسين حياة شعبه

الملك بولاق: من القادة البارزين الذين قاوموا التهديدات الخارجية، حيث واجه اليهود وحقق انتصارات مهمة

الملك عجلون: خلف الملك بولاق، وتمكن من إخضاع بني إسرائيل لمدة ١٨ عامًا، وفق ما ورد في النصوص التوراتية. قتل غدرًا أثناء وجوده في استراحته بمدينة أريحا، المعروفة بمدينة النخيل، مما يعكس استمرارية الصراع على السلطة والنفوذ في المنطقة

المراجع

د. أحمد عويدي العبادي , المملكة الأردنية المؤابية
د. أحمد عويدي العبادي, كتاب المملكة الأردنية المؤابية
د. زيدان عبد الكافي كفافي, (تاريخ الأردن و اثاره في العصور القديمة – العصور البرونزية و الحديدية)، دار ورد، عمان- الاردن

Previous:
الثقافة الغسولية، جزء : ٧ – تطور صناعة الأدوات العظمية في موقع تليلات غاسول
Next:
المملكة الأردنية المؤابية، جزء: ٢ –  النشأة والتأسيس