المملكة الأردنية المؤابية، جزء: ١٠ – مسلة ميشع
تعد مسلة ميشع إحدى أهم الوثائق التاريخية التي تروي تفاصيل الحياة السياسية والدينية والاجتماعية في المملكة المؤابية الأردنية. اكتُشفت المسلة في بلدة ذيبان عام ١٨٦٨م، وسرعان ما أصبحت محور نزاع بين الأهالي، أدى إلى تخريبها وحرقها. وعلى الرغم من ذلك، نُقلت أجزاؤها إلى فرنسا، حيث أُعيد ترميمها، وهي معروضة اليوم في متحف اللوفر
مسلة ميشع ٨٤٢ ق.م
تعد مسلة ميشع واحدة من أهم الوثائق المؤابية الأردنية المكتوبة التي وصلت إلى البشرية حتى يومنا هذا، حيث تزودنا بمعلومات دقيقة وقيمة حول تاريخ المؤابيين ودينهم وفكرهم، بالإضافة إلى تفاصيل عن جغرافيتهم ومدنهم وصراعاتهم مع العبرانيين. كما تكشف المسلة عن الجهود التي بذلها المؤابيون في استقطاب العشائر الأردنية غير المؤابية للمشاركة في حرب التحرير ضد العبرانيين
يتضمن النص المنقوش على المسلة ٣٤ سطراً، يخلد من خلالها انتصار الملك ميشع المؤابي، الذي حكم نحو عام ٨٥٠ ق.م، على ملك إسرائيل. وتوثق المسلة أيضاً أعمال الإعمار التي قام بها ميشع، بما في ذلك بناء المذابح والبوابات والأسوار والأبراج
وقد اكتشفت مسلة ميشع، هذا النصب المشهور، عام ١٨٦٨ م في بلدة ذيبان الواقعة على طريق مادبا/الكرك، حيث عثر عليها أهالي القرية، ووصل خبر اكتشافها إلى المستشرق الفرنسي كليرمون جانو، الذي كان يعمل ملحقاً في القنصلية الفرنسية بالقدس. وبعد معاينته للمسلة، اتفق مع مكتشفيها على شرائها بمبلغ ستين جنيهاً
عاد جانو إلى القدس لتدبير المبلغ بعد أن قام بنقل النقوش المنقوشة على المسلة، لكن بعد مغادرته البلدة، نشب خلاف بين الأشخاص الذين عثروا عليها حول كيفية تقسيم المال المنتظر. ونتيجة للخلاف، أقدم بعضهم على إحراق المسلة بإشعال النار حولها، ثم صبوا عليها الماء عندما اشتدت حرارتها، مما تسبب في تفسخها وتناثر أجزائها، وضاع بعضها إلى الأبد
وعندما عاد المستشرق الفرنسي إلى البلدة، بذل جهده لجمع ما تبقى من قطع المسلة، ثم حملها معه إلى القدس، ومنها إلى فرنسا، حيث تم ترميمها وإعادة تجبيرها، لتُعرض لاحقاً في متحف اللوفر في باريس
نقش ميشع عبارة عن نص تاريخي يتألف من ٣٤ سطرًا، محفور على حجر بازلتي أسود يأخذ شكل قوس (مسلة)، يبلغ ارتفاعه ١٢٤ سم وعرضه ٧١ سم. يسجل هذا النقش إنجازات الملك الأردني المؤابي ميشع، الذي وثق انتصاراته وإعادة بناء الدولة، وإعمار المدن، وتشييد المعابد، إضافة إلى قيادته لعملية إصلاح زراعي واسعة بعد تغلبه على العبرانيين، وطردهم من مملكته، وملاحقتهم والاستيلاء على أجزاء من أراضيهم. وقد قدّمت هذه المسلة مصدرًا غنيًا للباحثين في دراسة الأوضاع السياسية والاجتماعية في المنطقة خلال تلك الحقبة، كما ساهمت في فهم اللغة الأردنية المؤابية وتراكيبها، إلى جانب دراسة الخط الأردني المؤابي
مسلة ميشع - متحف لوفر باريس
ترجمة نص نقش مسلة ميشع من اللغة المؤابية إلى اللغة العربية
أنا ميشع بن كموشيت ملك مؤاب الديباني
أبي ملك على مؤاب ثلاثين سنة. وأنا ملكت
بعد أبي. وأنشأت معبدا (أهراما) لكموش، بقرحي، ولقد بني ذلك
بسرور لأن كموش أعانني على قهر كل الملوك، ولأنه أشمتني بكل أعدائي المبغضين. أما عمري
ملك اسرائيل، فقد اضطهرد مؤاب طويلا، ذلك لأن كموش أضحى مكروها
بأرضه. وخلف عمري ابنه فقال هو الآخر: (سأضطهد مؤاب!) أجل، لقد قال شيئا كهذا الكلام
ولكن كموش جعلني أراه مهزوما من أمامي، هو والهه. وبادت اسرائيل، بادت الى الأبد. ولكن عمري قد ورث أرض
مادبا. فأقام بها مدة حكمه. كما أقام بها الاسرائيليون من بعده. مدة تبلغ نصف حكم أبناء عمري. فجميع ما أقاموه بلغ أربعين سنة
وأرجع كموش مادبا في أيام حكمي ولقد بنيت خربة معين وحفرت فيها تلك البركة. ولقد بنيت
خربة القريات. أما شعب جاد فقد كان يسكن خربة عطاروس من زمن قديم. وكان ملك اسرائيل قد بنى لشعب جاد
خربة عطاروس. والتحمت بالمدينة مقاتلا، وافتتحتها. وذبحت كل سكان
القرية لأجل كموش ومؤاب. ورددت من هنالك موقد ايل اله ملك اسرائيل المحبوب
وسحبته إلى بين يدي كموش بالقرية. وأسكنت بالقرية شران وشعب
محرت. وقال لي كموش: (اذهب! خذ بنو اسرائيل)
فذهبت في نفس تلك الليلة، واشتبكت بالمدينة من وقت تبين الخيط الأبيض من الأسود حتى الظهر
وافتتحتها، وذبحت كل سكانها، وعددهم سبعة آلاف، رجالا وصبيانا ونساء وبناتا
واماء. ذلك لأنني ضحيتها لعشتر كموش. كما انني اخذت من هنالك موقد
يهوه وسحبتها جميعا حتى وضعتها بين يدي كموش. وكان كملك اسرائيل قد بنى
عليان وقت محاربته اياي. ولكن كموش طرده من امامي
واخذت من مؤاب مئتي رجل وهم قوام فرقتها العسكرية. ثم قدتهم ضد عليان. وافتتحها
مضيفا اياها الى مملكة ذيبان. وانا الذي بتى قرحي، وهي حمى اليعرن وبنيت كذلك سور
الاكروبولوس في قرحي. وانا الذي بنى ابواب قرحي واسوارها
وبنيت موقع بيت ملك. وانا الذي حفر كلا البركتين للماء بداخل
المدينة. لك لأن المدينة كانت خالية من اي بشر. فقد قلت يومها للشعب: (ليحفر
كل رجل منكم بئرا بداخل بيته). وانا الذي قطع الأخشاب بأيدي الأسرى الاسرائيليين لقرحي
وقد بنيت عراعر. وعبدت الطريق في وادي الموجب
وانا الذي بنى بيت بموت لأنها كانت مهدومة هدما. وانا الذي بنى ام العمد لأنها كانت (هكذا وردت في النص ) وقد اصيبت بسوء
كبار القوم في ذيبان (ديبون) كانوا خمسين بالعدد. فذيبان كانت كلها خاضعة لي. وأنا ملكت
….. على مئتي مدينة قد أضفتها إلى المملكة. وبنيت
مادبا وخربة دليلة الشرقية وخربة معين. وهنالك أطلقت النقد (وهو نوع من الغنم صغير الأرجل)
…… وضأن المملكة لكي ترعى الكلأ. وأما خربة الذباب فقد سكنها….
… وقال لي كموش: (انزل والتحم بخربة الذباب!) فنزلت والتحمت…
وأعادها كموش بأيامي. وكان بقربها من الطرف البعيد عشر ..
سنة أربع وأربعين. وأنا…
حين أحرقت المسلة
لا تذكر ذيبان إلا وتذكر معها مسلة ميشع، تلك المسلة التي ارتبطت بقصة نزاع شهير حولها، بدءاً من اكتشافها، ثم تخريبها، فبيعها ونقلها من ذيبان إلى فرنسا، حيث ما تزال محفوظة هناك حتى يومنا هذا
:يروي عالم الآثار لانكستر هاردينغ تفاصيل هذه القصة في كتابه آثار الأردن، قائلاً
في ذيبان، تم عام ١٨٦٨م العثور على النصب الشهير الذي أقامه الملك ميشع. اكتشفه أهل القرية، وسرعان ما وصلت أنباؤه إلى المستشرق الفرنسي كليرمون جانو، الذي كان يعمل في القنصلية الفرنسية في القدس. عندما شاهد جانو المسلة، اتفق مع مكتشفيها على شرائها مقابل ستين جنيهاً. وبعد أن نسخ النصوص المنقوشة عليها، عاد إلى القدس لتأمين المبلغ
لكن ما إن غادر جانو حتى اندلع خلاف بين أهالي القرية حول تقسيم المال. وخوفاً من أن يحرم البعض من نصيبهم، لجأ بعضهم إلى حيلةٍ مأساوية، أشعلوا النار أسفل المسلة، ثم سكبوا عليها الماء فجأة. ومع حرارة النار وبرودة الماء، تشققت المسلة، التي كانت من حجر البازلت القاسي، وتناثرت أجزاؤها في كل اتجاه، وضاع بعضها إلى الأبد
عندما عاد جانو ليأخذ المسلة، لم يجدها سليمة، فاضطر إلى جمع ما أمكنه من الأجزاء المتناثرة. نقلها إلى القدس، ومنها إلى فرنسا، حيث تم ترميمها وهي معروضة الآن في متحف اللوفر في باريس
المراجع
د. أحمد عويدي العبادي , المملكة الأردنية المؤابية
د. أحمد عويدي العبادي, كتاب المملكة الأردنية المؤابية