التنوخيين، جزء: ٤ – الأردن السعيد
تعد منطقة الأردن السعيد من أبرز المناطق الجغرافية والتاريخية في منطقة الشرق الأوسط، حيث تتمتع بأهمية استراتيجية كبيرة جعلتها شاهدة على تطورات تاريخية هامة. تمثل هذه المنطقة نقطة التقاء بين العديد من الحضارات القديمة، بما في ذلك حضارات الأنباط. ومن خلال موقعها الجغرافي الفريد، لعبت الأردن دوراً محورياً في تشكيل تاريخ المنطقة، من خلال المعارك والتطورات السياسية التي شكلت مسار الأحداث التاريخية الكبرى
الأردن السعيد: قلب التاريخ والجغرافيا
أما من الناحية الجغرافية، فقد كانت مساحة الأردن في ذلك الوقت تتفوق على مساحة بقية بلاد الشام مجتمعة، بما في ذلك سوريا وفلسطين ولبنان. إذ كانت تتجاوز ٨٠٠٬٠٠٠ كيلومتر مربع، وهو ما يعكس الأهمية الاستراتيجية الكبيرة للأردن في تاريخ المنطقة
:قسم المؤرخون القدماء أراضي العرب إلى ثلاث مناطق رئيسية، كل منها تتمتع بخصائص جغرافية وثقافية مميزة
العربية السعيدة شملت هذه المنطقة اليمن السعيد وكل ما يتبعها في جنوب جزيرة العرب. كانت تعرف بثرائها الزراعي ومناخها المعتدل، مما جعلها من أبرز المناطق التي ازدهرت فيها الحضارات القديمة
العربية الصحراوية هذه المنطقة تمتد عبر البادية الأردنية الشرقية، وصولًا إلى حدود الفرات والربع الخالي. كان أهلها يعيشون في بيئة صحراوية قاسية، حيث تأقلموا مع الحياة البدوية التي تعتمد على التنقل والرعي
العربية الحجرية تشمل هذه المنطقة الأردن السعيد، أو ما يُعرف بالأراضي الثمودية، التي تقع شمال جزيرة العرب وجنوب الهلال الخصيب. كانت هذه المنطقة شاهدة على العديد من الحضارات القديمة، وخاصة في ما يتعلق بشعوب الأنباط والثموديين الذين تركوا آثارًا بارزة في المنطقة
وقد أشار القرآن الكريم اليها بقوله سبحانه (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ وَثَمُودَ الَذِينَ جَابُوا الصَخْرَ بِالْوَادِ (9) {الفجر:6-9}
في قلب المنطقة التي تعرف اليوم بالعربية الحجرية، قامت العديد من الحضارات والممالك الأردنية الثمودية، التي نشأت منذ آلاف السنين قبل الميلاد واستمرت حتى فترات الفتوحات الإسلامية. تعتبر مملكة بيريا جزءاً مهماً من هذه الحضارات، حيث تتسم بموقعها الجغرافي الفريد وهويتها العرقية والثقافية. شملت مملكة بيريا العديد من الأراضي الحيوية مثل سيناء الأدومية، وبلاد الأنباط، وفلسطين الحالية بكاملها، إلى جانب مناطق شرق البحر الميت ووادي عربة وصولاً إلى خليج العقبة. كما امتدت هذه المملكة لتشمل الأطراف الشمالية والغربية من العربية السعيدة. وكانت مملكة بيريا تعد من أوسع الممالك في تلك الحقبة من حيث المساحة، فضلاً عن تنوع مناخاتها ومواردها الطبيعية، مما منحها أهمية استراتيجية واقتصادية فريدة مقارنة بالممالك الأخرى في المنطقة. وفي أقصى حدودها الشمالية، كانت مملكة بيريا تصل إلى مدينة دمشق، ما يعكس مدى اتساعها وثراء حضارتها
جزيرة العرب، تلك الأرض التي تميزت بموقعها الجغرافي بين منطقتين تاريخيتين ذاع صيتهما في العصور القديمة، هما “اليمن السعيد” في الجنوب و”الأردن السعيد” في الشمال. وقد عُرفت الهجرات التي انطلقت من “اليمن السعيد” باتجاه الشمال، حيث كانت القبائل تتوجه إلى “الأردن السعيد”، خاصة بعد أن اجتاح التصحر أجزاءً كبيرة من جزيرة العرب. كان ذلك يشمل الربع الخالي والحجاز، تلك المناطق التي وصفها القرآن الكريم في قوله تعالى: “رَبَنَا إِنِي أَسْكَنتُ مِن ذُرِيَتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَمِ رَبَنَا لِيُقِيمُوا الصَلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِنَ الثَمَرَاتِ لَعَلَهُمْ يَشْكُرُونَ” (٣٧) سورة إبراهيم
إذا واجه المهاجر القادم من “اليمن السعيد” صعوبات مثل التصحر أو انعدام الأمن، ووجد نفسه مضطراً لعبور وسط جزيرة العرب حيث تكون مقومات الحياة شحيحة، كان الأمل في الوصول إلى “الأردن السعيد” هو ما يجعله يواصل مسيرته. فقد كانت الأردن عبر العصور تعتبر “بلاد تحقيق الأمل”؛ إذ أنها شهدت العديد من المعارك الحاسمة التي شكلت محطات فارقة في تاريخ المنطقة. على أرضها الطاهرة جرت معارك مثل معركة مؤتة، وطبقة فحل، واليرموك، وحطين، وعين جالوت، التي كان لها أثر بالغ في تغيير مسار التاريخ. ومن الأردن، كانت القبائل تنطلق وتتوزع لتصل إلى سوريا وبلاد كنعان ولبنان، بل إلى شمال أفريقيا والأناضول. كما كانت الأرض الأردنية نقطة انطلاق لجيش الفتوحات الإسلامية، حيث تجمع فيها المجاهدون قبل أن ينطلقوا في مساراتهم المقررة لتوسيع رقعة الإسلام في العالم
عندما خضعت منطقة الأردن للاحتلال الروماني في عام ١٠٦ ميلادي، بعد أن سيطر الرومان على باقي بلاد الشام، أطلقوا على الأردن اسم “البترائية العربية”. وقاموا بضم المنطقة إلى مقاطعة جديدة أطلقوا عليها اسم “العربية البترائية” (Arabia Petraea) كانت هذه المقاطعة جزءًا من الإمبراطورية الرومانية، التي تأسست في القرن الثاني الميلادي، وذلك بعد الحصار الذي شنّه الرومان على مملكة الأنباط واحتلالهم لمدينة البتراء في عام ١٠٦ ميلادي. ومنذ ذلك الحين، أصبحت مدينة البتراء هي المركز الاداري لهذه المقاطعة
بعد أن أصبحت مملكة الأنباط تحت حكم ذاتي، تم فسخ أجزاء واسعة من ممتلكاتهم، مما أدى إلى تقسيمها بشكل ملحوظ. أصبحت أراضيهم محاطة بمقاطعة سوريا من الشمال، ومقاطعة مصر من الغرب، بينما امتدت الصحراء العربية التي كانت جزءاً من مملكة الأنباط من الشرق والجنوب. في الوقت نفسه، ظهرت المقاطعة اليهودية إلى الغرب، والتي استمرت لسنوات قليلة قبل أن تُلحق بمقاطعة سوريا في عام ١٣٥ ميلادي
مع الفتح الإسلامي ونجاح المسلمين في تحرير بلاد الشام من الاحتلال البيزنطي، تم تقسيم المنطقة إلى أجناد. وكان من أبرز هذه الأجناد “جند الأردن”، الذي شمل أراضي المملكة الأردنية الحالية، بما في ذلك أراضي مملكة بيريا. هذا التقسيم كان له تأثيرات كبيرة على الوضع السياسي والجغرافي في المنطقة، حيث أصبح الأردن جزءاً من الكيان الإداري الإسلامي الجديد
مراجع
د . احمد عويدي العبادي, التنوخيين (قبيلة تنوخ الأردنية)
تنوخيون ,Wikipedia